-قصة قارون مع موسى عليه السلام
1-قال الله تعالى (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما احسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الارض إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم.
وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون - فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين.وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) [ القصص: 76 - 83 ]
1-: هو قارون بن يصهر بن قاهث، وموسى بن عمران بن قاهث :
2-قال ابن عباس : كان قارون ابن عم موسى وكان يسمى المنور لحسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري، فأهلكه البغي لكثرة ماله.و زاد في ثيابه شبرا طولا ترفعا على قومه.وقد ذكر الله تعالى كثرة كنوزه، حتى أن مفاتيحه كان يثقل حملها على الفئام (وهي الجماعة.) من الرجال الشداد، وقد قيل إنها كانت من الجلود وإنها كانت تحمل على ستين بغلا، فالله أعلم.
3-وقد وعظه النصحاء من قومه قائلين " لا تفرح " أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك (ان الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) يقولون لتكن همتك مصروفة لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة، فإنه خير وأبقى، ومع هذا (لا تنس نصيبك من الدنيا) أي وتناول منها بمالك ما أحل الله لك، فتمتع لنفسك بالملاذ الطيبة الحلال (وأحسن كما أحسن الله اليك) أي وأحسن إلى خلق الله كما أحسن الله خالقهم، وبارئهم إليك (ولا تبغ الفساد في الارض) أي ولا تسئ إليهم، ولا تفسد فيهم، فتقابلهم ضد ما أمرت فيهم فيعاقبك ويسلبك ما وهبك (إن الله لا يحب المفسدين)
4-فما كان جواب قومه.لهذه النصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن (قال إنما أوتيته على علم عندي) يعني أنا لا أحتاج إلى استعمال ما ذكرتم ولا إلى ما إليه أشرتم فإن الله إنما أعطاني هذا لعلمه أني أستحقه وأني أهل له ولولا أني حبيب إليه وحظي عنده لما أعطاني ما أعطاني قال الله تعالى ردا عليه ما ذهب إليه (أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون)
أي قد أهلكنا من الامم الماضين بذنوبهم وخطاياهم من هو أشد من قارون قوة وأكثر أموالا وأولادا فلو كان ما قال صحيحا لم نعاقب أحدا ممن كان أكثر مالا منه ولم يكن ماله دليلا على محبتنا له واعتنائنا به كما قال تعالى (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا)
وقال تعالى (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين.نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون)
وهذا الرد عليه يدل على صحة ما ذهبنا إليه من معنى قوله (إنما أوتيته على علم عندي) وأما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيمياء أو أنه كان يحفظ الاسم الاعظم فاستعمله في جمع الاموال فليس بصحيح لان الكيمياء تخييل وصبغة لا تحيل الحقائق ولا تشابه صنعة الخالق والاسم الاعظم لا يصعد الدعاء به من كافر به، وقارون وكان كافرا في الباطن منافقا في الظاهر.
ثم لا يصح جوابه لهم بهذا على هذا التقدير ولا يبقى بين الكلامين تلازم .
5-قال الله تعالى (فخرج على قومه في زينته) ذكر كثير من المفسرين أنه خرج في تجمل عظيم من ملابس (خرج يوم السبت، وكان أول من صبغ له الثياب المعصفرة.وقال مجاهد: كان ذلك أول يوم رؤى فيه المعصفر)
ومراكب وخدم وحشم فلما رآه من يعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله وغبطوه بما عليه وله فلما سمع مقالتهم العلماء ذوو الفهم الصحيح الزهاد الالباء قالوا لهم: (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا) أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى قال الله تعالى ولا يلقاها الا الصابرون، أي وما يلقى هذه النصيحة وهذه المقالة وهذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة العلية عند النظر إلى زهرة هذه الدنيا الدنية إلا من هدى الله قلبه، وثبت فؤاده، وأيد لبه، وحقق مراده،
6-وما أحسن ما قال بعض السلف إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات.
قال الله تعالى فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين
لما ذكر تعالى خروجه في زينته واختياله فيها، وفخره على قومه بها، قال: فخسفنا به وبداره الارض
7-كما روى البخاري من حديث الزهري، عن سالم عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل (أي يغوص في الارض حين يخسف به.والجلجلة: حركة مع الصوت) في الارض إلى يوم القيامة ".
7-وقد ذكر ابن عباس والسدي أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تقول لموسى عليه السلام وهو في ملاء من الناس إنك فعلت بي كذا وكذا فيقال إنها قالت له ذلك، فأرعد من الفرق (الخوف والفزع) وصلى ركعتين.ثم أقبل عليها فاستحلفها من ذلك على ذلك وما حملك عليه، فذكرت أن قارون هو الذي حملها على ذلك، واستغفرت الله وتابت إليه، فعند ذلك خر موسى لله ساجدا ودعا الله على قارون، فأوحى الله إليه إني قد أمرت الارض أن تطيعك فيه فأمر موسى الارض أن تبتلعه وداره فكان ذلك فالله أعلم.
8-وقد قيل إن قارون لما خرج على قومه في زينته مر بجحفله وبغاله وملابسه على مجلس موسى عليه السلام، وهو يذكر قومه بأيام الله فلما رآه الناس، انصرفت وجوه كثير من الناس ينظرون إليه فدعا موسى عليه السلام فقال له: ما حملك على هذا فقال: يا موسى أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة فلقد فضلت عليك بالمال، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علي ولادعون عليك فخرج وخرج قارون في قومه فقال له موسى: تدعو أو أدعو ؟
قال: ادعو أنا، فدعى قارون، فلم يجب في موسى، فقال موسى أدعو ؟ قال: نعم.
فقال موسى: اللهم مر الارض فلتطغى اليوم فأوحى الله إليه إني قد فعلت فقال موسى: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أقدامهم، ثم قال خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم ثم إلى مناكبهم ثم قال اقبلي بكنوزهم وأموالهم فأقبلت بها حتى نظروا إليها ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوي فاستوت بهم الارض.
وعن ابن عباس أنه قال خسف بهم إلى الارض السابعة.وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا إسرائيليات كثيرة أضربنا عنها صفحا وتركناها قصدا.
9-وقوله تعالى (فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) لم يكن له ناصر من نفسه ولا من غيره كما قال (فما له من قوة ولا ناصر) ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الاموال وخراب الدار وإهلاك النفس والاهل والعقار ندم من كان تمنى مثل ما أوتي، وشكروا الله تعالى الذي يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون ولهذا قالوا (لولا أن من الله علينا لخسف بنا وبك انه لا يفلح الكافرون)
وقد تكلمنا على لفظ ويك في التفسير وقد قال قتادة ويكأن بمعنى ألم تر أن وهذا قول حسن من حيث المعنى والله أعلم.
ثم أخبر تعالى (أن الدار الآخرة) وهي دار القرار وهي الدار التي يغبط من أعطيها ويعزى من حرمها إنما هي سعدة للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا.فالعلو هو التكبر والفخر والاشر والبطر والفساد هو عمل المعاصي اللازمة والمتعدية من أخذ أموال الناس وإفساد معايشهم والاساءة إليهم وعدم النصح لهم ثم قال تعالى (والعاقبة للمتقين)
10- وقصة قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر لقوله فخسفنا به وبداره الارض فإن الدار ظاهرة في البنيان وقد تكون بعد ذلك في التيه وتكون الدار عبارة عن المحلة التي تضرب فيها الخيام وقد ذكر الله تعالى مذمة قارون في غير ما آية من القرآن.
قال الله (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب) [ غافر: 23 - 24 ] وقال تعالى في سورة العنكبوت بعد ذكر عاد وثمود.وقارون وفرعون وهامان (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)
فالذي خسف به الارض قارون كما تقدم والذي أغرق فرعون وهامان وجنودهما أنهم كانوا خاطئين.
وقد قال الامام أحمد:، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال: " من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف "
والحمد له رب العالمين