صلاة التراويح من العبادات التي تحمل الكثير من الذكريات الرمضانية الجميلة حيث الاجتماع والوحدة وسماع القرآن بأصوات ندية والدعاء والتضرع والقنوت.. وكثير من العبادات الروحانية والإيمانية الرائعة.
ولما كان مقصد العبادة الأعظم القبول عند الرحمن والتطلع إلى خير جزاء في رحاب الجنان تحتم على كل مخلص أن يلم بأحكامها وآدابها رجاء نيل بركتها وعظيم ثوابها غير منقوص، وتخليصها من البدع والآفات التي ربما تعصف بها بالكلية ويصير تعبنا هباء منثورا.
لذلك رأيت أن أجمع من دقيق المسائل وغوامض الأسرار الفقهية ما تمس إليه الحاجة راجيا النفع لي ولعموم المسلمين، والله المستعان وعليه التكلان.
- الكلمة التي يلقيها بعض الأئمة والوعاظ بين ركعات صلاة التراويح لا بأس به إن شاء الله، والأحسن أن لا يداوَم عليه، خشية أن يعتقد الناس أنه جزء من الصلاة، وخشية من اعتقادهم وجوبه حتى إنهم قد ينكرون على من لم يفعله.
- قال ابن عثينين: وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم، وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها. [مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (14/241، 242)]
- صلاة التراويح أربع ركعات أو أكثر بتسليمة واحدة دون الجلوس بين الركعتين ليس من السنة، قال الشيخ ابن باز:
"هذا العمل غير مشروع، بل مكروه أو محرم عند أكثر أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشر ركعة، يسلم من كل اثنتين، ويوتر بواحدة) متفق على صحته والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وأما حديث عائشة المشهور: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن).. الحديث متفق عليه، فمرادها: أنه يسلم من كل اثنتين، وليس مرادها أنه يسرد الأربع بسلام واحد، لحديثها السابق، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم، والأحاديث يصدق بعضها بعضاً، فالواجب على المسلم أن يأخذ بها كلها، وأن يفسر المجمل بالمبين. [فتاوى إسلامية (2/156)].
- صلاة الوتر هي من صلاة الليل، ومع ذلك فهناك فرق بينهما.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الوتر من صلاة الليل، وهو سنة، وهو ختامها، ركعة واحدة يختم بها صلاة الليل في آخر الليل، أو في وسط الليل، أو في أول الليل بعد صلاة العشاء، يصلي ما تيسر ثم يختم بواحدة ". [فتاوى ابن باز (11/309)].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:
أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل ؟ قال: ( مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ) [رواه البخاري].
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر. [رواه البخاري]، ورواه مسلم (1/51) بلفظ: ( كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت ). وروى (1/508) عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها ). وروى (1/513) عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: ( ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا ).
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، وهو رواية عن أحمد ذكرها في "الإنصاف" و "الفروع"، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة. والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك والشافعي.
وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي "فتح الباري" (3/27): "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه ".
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب "زاد المستقنع". [مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/262-264)].
وبهذا يتبين أن صلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالف صلاة الليل في بعض الفروقات، منها: الكيفية.
الأفضل في صلاة التراويح أن تُصلى إحدى عشرة ركعة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان وغيره، فيصلي ركعتين ركعتين.. ثم يوتر بثلاث، ولو زاد المصلي عن إحدى عشر أو نقص فلا حرج عليه.
وأما الصفة المسئول عنها فهي إحدى صفات صلاة الوتر، فعن عائشة رضي الله عنها – وسئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقالت: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ) [رواه مسلم ( 746 )].
قال ابن القيم – في بيان أنواع قيام ووتر النبي صلى الله عليه وسلم -:
" النوع الخامس: تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة، يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعتين جالسا بعدما يسلم ". [زاد المعاد ( 1 / 317 )].
وقد ظن بعض الناس أن هذه الأحاديث معارضة لما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ) وليس الأمر كذلك؛ لأن هذا الحديث وارد في صلاة قيام الليل، والصورة التي ذكرناها والواردة في السؤال إنما هي في صلاة الوتر.
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم:
" وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها، فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) وهو حديث صحيح، ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس، وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها ( مَثْنَى مَثْنَى ) ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة: فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة، كالمغرب اسم للثلاث المتصلة، فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى ) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً ". [إعلام الموقعين ( 2 / 424، 425 )].
وعلى هذا، فصلاة التراويح لا تصلى تسع ركعات متصلة بتشهدين وسلام واحد، وإنما الذي يُصلى كذلك هو صلاة الوتر.
- من السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر: ( سبح اسم ربك الأعلى )، وفي الثانية: ( قل يا أيها الكافرون )، وفي الثالثة: ( قل هو الله أحد ) ويضيف إليها أحياناُ: ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس ).
وله أن يصلي ركعتين ( بعد الوتر إن شاء )، لثبوتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً بل قال –صلى الله عليه وسلم-: " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له ". والسنة أن يقرأ فيهما: {إذا زلزلت الأرض} و {قل يا أيها الكافرون}.
وثبت في صحيح مسلم (738) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الوتر وَهُوَ جَالِسٌ. قال النووي رحمه الله: الصَّوَاب: أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْوِتْر جَالِسًا; لِبَيَانِ جَوَاز الصَّلَاة بَعْد الْوِتْر، وَبَيَان جَوَاز النَّفْل جَالِسًا، وَلَمْ يُوَاظِب عَلَى ذَلِكَ، بَلْ فَعَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّات قَلِيلَة.
وقال الشيخ ابن باز أيضاً في بيان الحكمة من صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين بعد الوتر ما نصه: والحكمة في ذلك – والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر.
- إذا كنت إماما وتريد أن تصلي التهجد بالليل، فإنه يجوز لك أن تصلي الوتر بالجماعة ثم تصلي بعد ذلك ما شئت من الركعات ركعتين ركعتين، ولا تعيد الوتر. ولك أن لا تصلي الوتر مع الجماعة، وتؤخر الوتر حتى يكون آخر صلاتك بالليل. وعليك في هذا مراعاة الجماعة الذين يصلون معك، فإن كان لا يوجد أحد يصلي بهم الوتر غيرك، وعدم صلاتك بهم سيؤدي إلى تركهم للوتر أو لا يحسنون صلاته، فصلّ بهم الوتر.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
ولما كان مقصد العبادة الأعظم القبول عند الرحمن والتطلع إلى خير جزاء في رحاب الجنان تحتم على كل مخلص أن يلم بأحكامها وآدابها رجاء نيل بركتها وعظيم ثوابها غير منقوص، وتخليصها من البدع والآفات التي ربما تعصف بها بالكلية ويصير تعبنا هباء منثورا.
لذلك رأيت أن أجمع من دقيق المسائل وغوامض الأسرار الفقهية ما تمس إليه الحاجة راجيا النفع لي ولعموم المسلمين، والله المستعان وعليه التكلان.
- الكلمة التي يلقيها بعض الأئمة والوعاظ بين ركعات صلاة التراويح لا بأس به إن شاء الله، والأحسن أن لا يداوَم عليه، خشية أن يعتقد الناس أنه جزء من الصلاة، وخشية من اعتقادهم وجوبه حتى إنهم قد ينكرون على من لم يفعله.
- قال ابن عثينين: وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم، وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها. [مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (14/241، 242)]
- صلاة التراويح أربع ركعات أو أكثر بتسليمة واحدة دون الجلوس بين الركعتين ليس من السنة، قال الشيخ ابن باز:
"هذا العمل غير مشروع، بل مكروه أو محرم عند أكثر أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشر ركعة، يسلم من كل اثنتين، ويوتر بواحدة) متفق على صحته والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وأما حديث عائشة المشهور: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن).. الحديث متفق عليه، فمرادها: أنه يسلم من كل اثنتين، وليس مرادها أنه يسرد الأربع بسلام واحد، لحديثها السابق، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم، والأحاديث يصدق بعضها بعضاً، فالواجب على المسلم أن يأخذ بها كلها، وأن يفسر المجمل بالمبين. [فتاوى إسلامية (2/156)].
- صلاة الوتر هي من صلاة الليل، ومع ذلك فهناك فرق بينهما.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الوتر من صلاة الليل، وهو سنة، وهو ختامها، ركعة واحدة يختم بها صلاة الليل في آخر الليل، أو في وسط الليل، أو في أول الليل بعد صلاة العشاء، يصلي ما تيسر ثم يختم بواحدة ". [فتاوى ابن باز (11/309)].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:
أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل ؟ قال: ( مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ) [رواه البخاري].
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر. [رواه البخاري]، ورواه مسلم (1/51) بلفظ: ( كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت ). وروى (1/508) عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها ). وروى (1/513) عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: ( ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا ).
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، وهو رواية عن أحمد ذكرها في "الإنصاف" و "الفروع"، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة. والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك والشافعي.
وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي "فتح الباري" (3/27): "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه ".
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب "زاد المستقنع". [مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/262-264)].
وبهذا يتبين أن صلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالف صلاة الليل في بعض الفروقات، منها: الكيفية.
الأفضل في صلاة التراويح أن تُصلى إحدى عشرة ركعة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان وغيره، فيصلي ركعتين ركعتين.. ثم يوتر بثلاث، ولو زاد المصلي عن إحدى عشر أو نقص فلا حرج عليه.
وأما الصفة المسئول عنها فهي إحدى صفات صلاة الوتر، فعن عائشة رضي الله عنها – وسئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقالت: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ) [رواه مسلم ( 746 )].
قال ابن القيم – في بيان أنواع قيام ووتر النبي صلى الله عليه وسلم -:
" النوع الخامس: تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة، يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعتين جالسا بعدما يسلم ". [زاد المعاد ( 1 / 317 )].
وقد ظن بعض الناس أن هذه الأحاديث معارضة لما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ) وليس الأمر كذلك؛ لأن هذا الحديث وارد في صلاة قيام الليل، والصورة التي ذكرناها والواردة في السؤال إنما هي في صلاة الوتر.
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم:
" وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها، فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) وهو حديث صحيح، ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس، وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها ( مَثْنَى مَثْنَى ) ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة: فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة، كالمغرب اسم للثلاث المتصلة، فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى ) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً ". [إعلام الموقعين ( 2 / 424، 425 )].
وعلى هذا، فصلاة التراويح لا تصلى تسع ركعات متصلة بتشهدين وسلام واحد، وإنما الذي يُصلى كذلك هو صلاة الوتر.
- من السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر: ( سبح اسم ربك الأعلى )، وفي الثانية: ( قل يا أيها الكافرون )، وفي الثالثة: ( قل هو الله أحد ) ويضيف إليها أحياناُ: ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس ).
وله أن يصلي ركعتين ( بعد الوتر إن شاء )، لثبوتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً بل قال –صلى الله عليه وسلم-: " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له ". والسنة أن يقرأ فيهما: {إذا زلزلت الأرض} و {قل يا أيها الكافرون}.
وثبت في صحيح مسلم (738) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الوتر وَهُوَ جَالِسٌ. قال النووي رحمه الله: الصَّوَاب: أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْوِتْر جَالِسًا; لِبَيَانِ جَوَاز الصَّلَاة بَعْد الْوِتْر، وَبَيَان جَوَاز النَّفْل جَالِسًا، وَلَمْ يُوَاظِب عَلَى ذَلِكَ، بَلْ فَعَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّات قَلِيلَة.
وقال الشيخ ابن باز أيضاً في بيان الحكمة من صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين بعد الوتر ما نصه: والحكمة في ذلك – والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر.
- إذا كنت إماما وتريد أن تصلي التهجد بالليل، فإنه يجوز لك أن تصلي الوتر بالجماعة ثم تصلي بعد ذلك ما شئت من الركعات ركعتين ركعتين، ولا تعيد الوتر. ولك أن لا تصلي الوتر مع الجماعة، وتؤخر الوتر حتى يكون آخر صلاتك بالليل. وعليك في هذا مراعاة الجماعة الذين يصلون معك، فإن كان لا يوجد أحد يصلي بهم الوتر غيرك، وعدم صلاتك بهم سيؤدي إلى تركهم للوتر أو لا يحسنون صلاته، فصلّ بهم الوتر.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
تعليق