قال - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].
وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح[1].
وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهلِه الذين كانوا يعملون به في الدنيا تَقدُمه سورة البقرة وآل عمران، تُحاجَّان عن صاحبهما))؛ رواه مسلم.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السَّفرة الكرام البَرَرة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران))؛ متفق عليه.
روضة المحبين ونزهة المشتاقين وحديقة المتنزهين ونعيم المقيمين وأنيس السامرين ورفيق المعتكفين، ونديم الصائمين، وزميل المصلين، وقرين مَن للمساجد ملازمون.
روضة القرآن في شهر رمضان أجمل الروضات وأمتعها وأعظمها وألصق شيء بالصائم، هي روضة القلب وغذاء الرُّوح، جولة العقل والفِكر، ورطب اللسان ومعطر الفم.
القرآن في رمضان لرمضان، ففيه نزل وفيه يُتلى بما لا يُحصيه عدد؛ فالقرآن روضة الصائم وقوته ليلاً ونهارًا؛ فالصائم المتعلِّق بالقرآن لا يجد فرصة إلا توجَّه نحو آيات الله المتلوَّة قارئًا ومتدبرًا وتاليًا، فهو لا يكتفي أن يقرأ بين أذان وإقامة، أو دقائق قبل الصلوات أو بعدها، بل له وِرد يَزيد كل يوم فيه شوقًا وحبًّا وتنعُّمًا، فهو مع القرآن آناء الليل وأوساط النهار وأطرافه؛ لأنه في شهر القرآن.
روضة القرآن جنة الصائم في رمضان يتقلَّب بين أنهارها وأشجارها وثمارها في كل ساعة، وحين يسابق الزمان ويُنافِس الأنفاس، فلا تخرج إلا في آية أو يَرُد نفسه ليعود لأخرى.
روضة القرآن جنيٌ للحسنات في شهر المكرمات، فالحرف بحسنة والحسنة بعشر، وهنا تُضاعَف إلى ما لا يعلمه إلا الله، فالصوم له، وهو الذي يجزي به - سبحانه وتعالى.
فاقرأ أيها الصائم قبل فوات الأيام ومرور الأعوام، والفرص لا تدوم، والفراغ نعمة مغبون فيها كثير من الناس.
اقرأ؛ فاليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا يبحث المرء عن حسنة ولا يَجِد إلا حسرات.
روضة إذا دخل رمضان يُعلِن الصائم دخوله فيها، ويُعرَف باقترانه بها فيقرأ ويعيد، ويختم من جديد، لا يَمَل ولا يسأم، فهو كلام العزيز المجيد، فالكلمات أعذب الكلمات، والمعاني أفصح المعاني وأروعها، والحلاوة عليه ظاهرة، والطراوة على لفظِه مشتمِلة، فهو في كل مرة غضٌّ طريٌّ وحلوٌ سويٌّ، فسبحان مَن به تكلَّم، وإلى خلقه أنزل، وبحفظه تكفَّل.
روضة القلوب، ليس بينها وبين أحد مانع؛ فهي مفتوحة في أي ساعة من ليل أو نهار، ولكل صائم، غير أنه يُستحب لمن يدخلها أن يغلق خلفه باب الدنيا؛ لينال أعلى لذَّاتها وأكمل درجاتها، مُتطهِّرًا من الحدث والحديث في غيرها، متَّجِهًا بقلبه إلى المتكلِّم، وببدنه إلى القِبلة، متدبِّرًا معاني الآيات تاليًا مجوِّدًا، يسأل النعيم إن مر به، ويستعيذ من العذاب إن قرأ عنه.
القرآن قرين الصيام؛ فهما يشفعان، فأَكثِر من القرآن في شهر القرآن، ولا ترضَ بالقليل منه، ومهما قرأت فلا تقل: اكتفيت، فمن زاد زِيد له (وربك الغني)، ونَقْص في حقك أن يكون حظُّك القليل منه في موسم الكثير، فكيف ستكون في سائر العام؟!
اقرأ واقرأ واقرأ صبحًا ومساء، ليلاً ونهارًا، قبل وبعد الصلوات وفي المساجد والبيت، وإذا استطعت أن يُلازِمك المصحف، فنِعم الرفيق، فالفرص لا تعود، وقد لا تكون في رمضان القادم موجود، فأَكثِر فما عند الله أكثر.
روضة القرآن واسعة كريمة خلابة فسيحة مليئة بأطيب الثمر وأبهى الأزهار، فما أروع أن يُسهِر ليلَك القرآنُ، كما أعطش نهارَك الصيامُ، وكم تفوز عندما يُصاحِب نهار القرآن ويكون شغلك وقوتك القرآن وقوتك وفي شهر القرآن.
روضة القرآن في رمضان من لم يدخلها كأنه لم يدخل رمضان ولم يعرفه، ولم يَذُق ألذ ما فيه.
فاقرؤوا وأنتم على يقين أن حديثكم مع الرحمن، وأن لسانكم يلهج بكلام الملك الديان، فعظموا المكان والزمان، واستغلُّوا فرصة الفراغ وفرصة مضاعفة الحسنات، قبل فوات الأوان وانصرام الأيام فالشهور فالأعوام.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار.
[1] صححه الألباني - صحيح الجامع (6345).
بقلم: نبيل عبد المجيد النشمي .
تعليق