الورقة الأولى
شهر رمضان الكريم مناسبة عطرة من أمجاد الإسلام العزيزة؛ حيث يهب بنسائمه على النفس، ويشع فيها الشعور بالعظمة والعزة، ويوقظ فيها وفي مكامنها تاريخًا حافلاً بالبطولات والتضحيات والرجولة الفذة.
ونحن نستقبل شهر رمضان المبارك لتبدأ يد الذاكرة تقلب صفحات التاريخ، تعبق بأمجاد الإسلام العظيم، وشريط طويل من الصور المفعمة بشذى المجد والعلا يواكب صفحاته صفحة صفحة، رمضان الفضيل والتاريخ ناطق بأحاديثه الخيرة على ديار المسلمين ونفوسهم، وشاهد عدل على صدق مكارم الإسلام بَدْءًا من حراء (إشراقه الإسلام الأولى بوحي السماء على رسولنا العربي الكريم - صلى الله عليه وسلم -)، ومرورًا بكل المواقف والمشاهد الجليلة للإسلام، بما فيها من صبر وتفان، وإيثار وتضحية، وامتدادًا إلى الفتوحات المجيدة التي حملت إلى الناس كافةً الهدى والرحمة والعدل والمساواة.
واليوم ونحن في هذه الأيام المباركة، نتذكر المواقف العظيمة لصاحب الرسالة المهيمنة الخاتمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، صبره على بلاء المشركين، وشجاعته في سبيل الدعوة الإسلامية، الدعوة إلى الله، وثباته في المواقف العصيبة التي تزحزح الجبال الرواسي، ووفاؤه للعقيدة التي من أجلها هاجر وكافح؛ حتى ارتفعت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله عزيزة خفاقة فوق كل أرض وتحت كل سماء.
جدير بنا ونحن نعيش أروع أيام الشهر الفضيل، ونفحاته الغالية أن نقتدي بنهج الرسول العظيم - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه الأبرار الذين تخرجوا من مدرسته أبطالاً صنعوا كل هذا التاريخ المجيد للإسلام.
قد شرف الله هذه البلاد بأن تكون مهبط الرسالة فهذا قدرها، نحملها في القلوب والوجدان عقيدة راسخة، وفي النفوس ضياء ساطعًا، وفي الصدور قرآنًا مجيدًا، وفي السلوك خلقًا كريمًا صالحًا نافعًا.
الورقة الثانية
وحافظ على ما أوجب الله عليك من أداء الصلوات مع جماعة المسلمين، ولا تغتر بكثرة مَن ينام عنها؛ فإن الحق لا يعرف بكثرة اتباعه، وإنما يعرف بموافقته لما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية، وما عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
فالصلاة عماد الدين، وهي الركن الثاني والفاصلة بين الإيمان والكفر، وأما الصوم فهو الركن الرابع يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الكُفْرِ أَوِ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلاَةِ))، ويقول: ((العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ.))
ورمضان فرصة كبيرة لقراءة كتاب الله، والعيش في روحانيته، فليكن لك من ذلك أوفر الحظ والنصيب، وإياك أن تقرأ بلسانك، وقلبك غافل، بل احرص على تدبر ما تقرأ، وذلك بالاستعانة بكتب التفسير، واستحضار القلب، وجمعه حين التلاوة، نسأل الله لنا ولك التوفيق.
الورقة الثالثة
إن شراءك أخي المسلم كيسًا من الأرز أو البر كفيلٌ بسد حاجة ما لا يقل عن مائة مسلم يومًا أو يومين. فليكن هذا الشهر منطلقًا لإغاثة إخوانك في إفريقيا و أفغانستان؛ لأن من فطر صائمًا فله مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيءٌ؛ لتجد هذا مدَّخرًا لك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، في ذلك اليوم الذي تتمنى فيه الحسنة الواحدة؛ لتنقذك من النار.
الورقة الرابعة
ففي هذا الشهر الكريم فرصة لمراجعة النفس، والتقرب من الله - جل وعلا - مثلما هو شهر صلة الرحم والعمل الصالح، وشهر العبادة والتمعن في قراءة القرآن، واستنباط الدروس والعبر.
لقد كان رمضان الفضيل خيرًا على الأمة الإسلامية، ففي رمضان تحققت الانتصارات للجيوش الإسلامية، وانهزم الكفر أمام الإيمان، وانكشفت الظلمة أمام الحقيقة، لقد كانت بداية انتصارات المسلمين في رمضان، حين انطلقت هذه الانتصارات من الجزيرة العربية، وامتدت أجنحة الإسلام السمح إلى مختلف بقاع العالم؛ لتنشر الرحمة والعدالة بين أبناء البشر.
الورقة الخامسة
ورمضان ليس امتناعًا عن الطعام والشراب فقط، وإنما هو تدريب وممارسة وتهذيب للنفس والروح، حيث يخضع الجميع لإحساس واحد، ولنظام واحد يلتقي الجميع على الإخوة في الله، وعلى العبادة الحقة، وفي رمضان تكريم للنفس، وحفظ لكرامتها، وصون وتطهير لها من الرجس والذنب، فلنقابل الله بعمل صالح، وصيام خالٍ من كل شائبة، ولنعتصم بالله لتجتمع كلمتنا ويتوحد صفنا، ولنقبل على الله بنية صافية وبعمل مخلص.
يقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] صدق الله العظيم.
وما زالت الاوراق مستمرة ...
تعليق