التشتوشية الثانية والأربعون
----------------------------
في بيتنا ... خادمة !!!
-------------------------
وقفتْ بهيكلها الضخم تسدُّ عليَّ منفذ الهواء الوحيد القادم من باب الصالة، وكدْتُ أختنقُ ذعراً لا من احتباس الهواء وحسب، بل من رؤيتي لها بعد شرودٍ ذهنيٍّ ..
وجلجل صوتُها في قرفٍ: - ما بك ارتعدْتَ؟!
قلْتُ وأنا أبلع ريقي استعداداً لخوض مباراةٍ فاشلةٍ معها:
- لا .. لا ... أبداً إنَّه البردُ !!
نظرتْ لي كعادتِها في شكٍّ ثم أردفتْ:
- أريدُ خادمة .
تفرَّسْتُ فيها وقلت: لماذا؟
حدجتني بنظرةٍ أعرفها معرفةً يقينيةً من أنَّها ستبدأ مسلسل بذاءتها وفحشها فأسرعْتُ قائلاً:
- أنتِ تعرفين وضعي المادي، فراتبي لا يكفينا أكلاً وشرباً.
وليتكم ترونها فهي بحجم الفيل فالطعام كله لها، وأنا تحسدنني الغواني لقوامي الهزيل يحسبونه رشاقةً، ولا يعلمون أنَّه سوء تغذية.
قاطعت أفكاري بنبرةٍ أشد كزؤام الذئب قبل الانقضاض على فريسته:
- أريدُ خادمة .
- ولماذا؟
¬احمرت عيناها وهي ترميني بشررٍ من عينيها – كأبطال الديجتال لو كنت تشاهدهم مثلها– فأسرعتُ من جديد أقول:
- أشكرك يا روحي لأنكِ تقدرين تعبي حين أجلي وأكنس وأغسل وأنظف وأرتب... فـلذلك قررتِ أن تحضري خادمة لي، ولكن..
قاطعتني بزفرةٍ كزفرة القاطرة الداخلة إلى محطة القطار في اللاذقية:
- أنت َ! الخادمة لك !! لماذا هل انتهتِ الدنيا؟!!!
قلت بضيقٍ: لماذا الخادمة إذاً؟
- ليست ماكي أحسن مني.
هكذا إذاً المسألة غيرة لا أكثر.
- ولكن !!!
استدارت وانصرفت معلنةً نهاية الحوار، أي يتوجب عليَّ إحضار الخادمة؟!
وقبل أن تختفي عن ناظري رغم كون اختفائها مستحيلاً، حتَّى لو وقفت على جبل الأقرع أراها من هنا،قالت لي:
- أبن البرد في شهر حزيران أيها المأفون!؟
يا لحدة ذكائها! بعد نصف ساعة أدركت سبب ارتعادي.
لا لم أغضب ..
لن أصاب بالضغط والسكري بسببها..
لقد عرفت علاجها ...
الصمت أمام رغباتها الحمقاء الهوجاء.
*********
- يا بنت يا (تسونامي) هاتي فنجان قهوة.
تحضره بأدب وتضعه أمامي، وتنصرف كالريم.
هذه هي الخادمة الفلبينية التي اخترتها من مكتب التوظيف، وهي جميلةٌ ناعمة القوام، ليست كالفدان التي عندي.
اسمها (ماهينا شوفيهان منتسوناري) وهو اسمٌ موسيقي عذبٌ كما ترون، وآثرتُ تسميتها (تسونامي) ولكنَّها (تسونامي) بنَّاءة ليست كالزالزال الشهير إياه، ففي ثواني تعد طلباتي، وتحيل البيت نعيماً في ساعة، وتطبخ طعاماً يحسدها عليه الشيف رمزي، وتغسل الغسيل بنظافةٍ تغيظ أصحاب المغاسل.
في الجملة أراحتني كثيراً ولم أعد أعمل أبداً في البيت.
فكان حضورها راحةً لي ووبالاً على حرمنا المصون.
في البداية لم تبالِ براحتي، بل صارت تدعو صديقاتها كل يوم ، لتفتخر بوجودها في منزلنا، وبعد مرور شهر لاحظت راحتي.
ولاحظت أنني صرتُ لا أخرج من المنزل أبداً بعد الدوام، كما تبيَّنتْ أنَّ الخادمة تستلطفني بابتسامةٍ عذبةٍ، بينما تقابلها بوجهٍ مكفهرٍّ كليلةٍ شتويةٍ عاصفةٍ.
وبدأت المشاكل.
- لماذا لا تذهب للقهوة؟
- لم يعد معي نقود بعد جلب الخادمة!
- لماذا لا تزور أصدقاءك؟
- زرْ غباً تزددْ حباً.
- ما شاء الله تحسنت ألفاظك.
- حرام أن أكون مؤدباً.
وتعض على أسنانها من الغيظ، فلا غبار على كلامي، ولكنَّها تستشعر بالعاصفة القادمة.
*********
انفجرت بي ذات يومٍ: - لم أعد أريد الخادمة.
قلت في دهشةٍ: - لماذا لقد جننتِ لنحضرها؟
زأرت: هكذا لم أعد أريدها؟
- ولكن هاتي سبباً مقنعاً، فأموالنا ليست هدراً لنرميها في البحر.
قالت لي: - بدون سبب، لا أريدها يعني لا أريدها!!
قلت متضايقاً : - كما تشائين.
وناديتُ الخادمة: - تسونامي.
جاءت كالنسيم من المطبخ: - نعم بابا!
- إنتَ يجمع ثياب.
- نحنا في سفر.
- إنتَ لازم يروح بلد.
بكت وقالت: - أنا يعمل شي غلط.
تقطع قلبي لها وقلت بحزنٍ: ماما ما يريد إنتَ معنا.
نظرت لها نظرة بمعنى (الله يخرب بيت ماما) وأتبعها بنظرة ضراعة نقول (آمين)
*********
كانت تمخط بردائها وتبكي على صدر – بل على ساحة الملعب – البلدوزر:
- الخائن .. يهجرني لأجل خادمة !!
- الرجال كلهم عيونهم فارغة، نفسي أعرف ماذا أعجبها في هذا الجردون شبيه القرد؟! والله (الشلمونة) أجمل منه.
- لا تأتي بسيرته يا مامي -لاحظوا الفدان والجاموسة كيف يتخاطبان- أمامي.
- كيف عرفْتِ أنَّه هاجر معها؟
ناولتها رسالة مني أرسلتها بالبريد:
(حرمنا المصون:
على سنة الله تعالى ورسوله تزوجْتُ من (تسونامي) فهي امرأةٌ تقدرني، وتحترمني، ولو شئتِ البقاء في عصمتي فلا مانع عندي).
مزقت الرسالة وهي تقول:
- الوغد .. ابن السحلية.. الطلاق الطلاق يا انتي، فنحن نأبى الضيم، ونغيث الملهوف.
قاطعتها أم أربعة وأربعين:
- يكفي يا أمي .. هل ستخطبين بي خطبةً عصماء، هل تظنين نفسكِ في مسلسلٍ تاريخيٍّ؟!
*********
دق جرس الهاتف في منزلي، فبادرت البلدوزر تحمل السماعة، وقالت بصوتها الفظ الغليظ:
- ألووووو.
أجابها الطرف الآخر- إنتَا مين؟
لعب الفأر في عبها - من يتكلم؟
- أنا يبغي وحدة كويس تشتغل خدامة مال أنا.
غلا الدم في رأس البلدوزر وصاحت بنهقةٍ كبرى: - من أنتِ؟
قالت : - أنا تسونامي مدام أبو سعيد الجديد!!!
----------------------------
في بيتنا ... خادمة !!!
-------------------------
وقفتْ بهيكلها الضخم تسدُّ عليَّ منفذ الهواء الوحيد القادم من باب الصالة، وكدْتُ أختنقُ ذعراً لا من احتباس الهواء وحسب، بل من رؤيتي لها بعد شرودٍ ذهنيٍّ ..
وجلجل صوتُها في قرفٍ: - ما بك ارتعدْتَ؟!
قلْتُ وأنا أبلع ريقي استعداداً لخوض مباراةٍ فاشلةٍ معها:
- لا .. لا ... أبداً إنَّه البردُ !!
نظرتْ لي كعادتِها في شكٍّ ثم أردفتْ:
- أريدُ خادمة .
تفرَّسْتُ فيها وقلت: لماذا؟
حدجتني بنظرةٍ أعرفها معرفةً يقينيةً من أنَّها ستبدأ مسلسل بذاءتها وفحشها فأسرعْتُ قائلاً:
- أنتِ تعرفين وضعي المادي، فراتبي لا يكفينا أكلاً وشرباً.
وليتكم ترونها فهي بحجم الفيل فالطعام كله لها، وأنا تحسدنني الغواني لقوامي الهزيل يحسبونه رشاقةً، ولا يعلمون أنَّه سوء تغذية.
قاطعت أفكاري بنبرةٍ أشد كزؤام الذئب قبل الانقضاض على فريسته:
- أريدُ خادمة .
- ولماذا؟
¬احمرت عيناها وهي ترميني بشررٍ من عينيها – كأبطال الديجتال لو كنت تشاهدهم مثلها– فأسرعتُ من جديد أقول:
- أشكرك يا روحي لأنكِ تقدرين تعبي حين أجلي وأكنس وأغسل وأنظف وأرتب... فـلذلك قررتِ أن تحضري خادمة لي، ولكن..
قاطعتني بزفرةٍ كزفرة القاطرة الداخلة إلى محطة القطار في اللاذقية:
- أنت َ! الخادمة لك !! لماذا هل انتهتِ الدنيا؟!!!
قلت بضيقٍ: لماذا الخادمة إذاً؟
- ليست ماكي أحسن مني.
هكذا إذاً المسألة غيرة لا أكثر.
- ولكن !!!
استدارت وانصرفت معلنةً نهاية الحوار، أي يتوجب عليَّ إحضار الخادمة؟!
وقبل أن تختفي عن ناظري رغم كون اختفائها مستحيلاً، حتَّى لو وقفت على جبل الأقرع أراها من هنا،قالت لي:
- أبن البرد في شهر حزيران أيها المأفون!؟
يا لحدة ذكائها! بعد نصف ساعة أدركت سبب ارتعادي.
لا لم أغضب ..
لن أصاب بالضغط والسكري بسببها..
لقد عرفت علاجها ...
الصمت أمام رغباتها الحمقاء الهوجاء.
*********
- يا بنت يا (تسونامي) هاتي فنجان قهوة.
تحضره بأدب وتضعه أمامي، وتنصرف كالريم.
هذه هي الخادمة الفلبينية التي اخترتها من مكتب التوظيف، وهي جميلةٌ ناعمة القوام، ليست كالفدان التي عندي.
اسمها (ماهينا شوفيهان منتسوناري) وهو اسمٌ موسيقي عذبٌ كما ترون، وآثرتُ تسميتها (تسونامي) ولكنَّها (تسونامي) بنَّاءة ليست كالزالزال الشهير إياه، ففي ثواني تعد طلباتي، وتحيل البيت نعيماً في ساعة، وتطبخ طعاماً يحسدها عليه الشيف رمزي، وتغسل الغسيل بنظافةٍ تغيظ أصحاب المغاسل.
في الجملة أراحتني كثيراً ولم أعد أعمل أبداً في البيت.
فكان حضورها راحةً لي ووبالاً على حرمنا المصون.
في البداية لم تبالِ براحتي، بل صارت تدعو صديقاتها كل يوم ، لتفتخر بوجودها في منزلنا، وبعد مرور شهر لاحظت راحتي.
ولاحظت أنني صرتُ لا أخرج من المنزل أبداً بعد الدوام، كما تبيَّنتْ أنَّ الخادمة تستلطفني بابتسامةٍ عذبةٍ، بينما تقابلها بوجهٍ مكفهرٍّ كليلةٍ شتويةٍ عاصفةٍ.
وبدأت المشاكل.
- لماذا لا تذهب للقهوة؟
- لم يعد معي نقود بعد جلب الخادمة!
- لماذا لا تزور أصدقاءك؟
- زرْ غباً تزددْ حباً.
- ما شاء الله تحسنت ألفاظك.
- حرام أن أكون مؤدباً.
وتعض على أسنانها من الغيظ، فلا غبار على كلامي، ولكنَّها تستشعر بالعاصفة القادمة.
*********
انفجرت بي ذات يومٍ: - لم أعد أريد الخادمة.
قلت في دهشةٍ: - لماذا لقد جننتِ لنحضرها؟
زأرت: هكذا لم أعد أريدها؟
- ولكن هاتي سبباً مقنعاً، فأموالنا ليست هدراً لنرميها في البحر.
قالت لي: - بدون سبب، لا أريدها يعني لا أريدها!!
قلت متضايقاً : - كما تشائين.
وناديتُ الخادمة: - تسونامي.
جاءت كالنسيم من المطبخ: - نعم بابا!
- إنتَ يجمع ثياب.
- نحنا في سفر.
- إنتَ لازم يروح بلد.
بكت وقالت: - أنا يعمل شي غلط.
تقطع قلبي لها وقلت بحزنٍ: ماما ما يريد إنتَ معنا.
نظرت لها نظرة بمعنى (الله يخرب بيت ماما) وأتبعها بنظرة ضراعة نقول (آمين)
*********
كانت تمخط بردائها وتبكي على صدر – بل على ساحة الملعب – البلدوزر:
- الخائن .. يهجرني لأجل خادمة !!
- الرجال كلهم عيونهم فارغة، نفسي أعرف ماذا أعجبها في هذا الجردون شبيه القرد؟! والله (الشلمونة) أجمل منه.
- لا تأتي بسيرته يا مامي -لاحظوا الفدان والجاموسة كيف يتخاطبان- أمامي.
- كيف عرفْتِ أنَّه هاجر معها؟
ناولتها رسالة مني أرسلتها بالبريد:
(حرمنا المصون:
على سنة الله تعالى ورسوله تزوجْتُ من (تسونامي) فهي امرأةٌ تقدرني، وتحترمني، ولو شئتِ البقاء في عصمتي فلا مانع عندي).
مزقت الرسالة وهي تقول:
- الوغد .. ابن السحلية.. الطلاق الطلاق يا انتي، فنحن نأبى الضيم، ونغيث الملهوف.
قاطعتها أم أربعة وأربعين:
- يكفي يا أمي .. هل ستخطبين بي خطبةً عصماء، هل تظنين نفسكِ في مسلسلٍ تاريخيٍّ؟!
*********
دق جرس الهاتف في منزلي، فبادرت البلدوزر تحمل السماعة، وقالت بصوتها الفظ الغليظ:
- ألووووو.
أجابها الطرف الآخر- إنتَا مين؟
لعب الفأر في عبها - من يتكلم؟
- أنا يبغي وحدة كويس تشتغل خدامة مال أنا.
غلا الدم في رأس البلدوزر وصاحت بنهقةٍ كبرى: - من أنتِ؟
قالت : - أنا تسونامي مدام أبو سعيد الجديد!!!
تعليق