عامر فؤاد عامر
امتلكت أحاسيس الفنان فشقت الطريق بهدوء وحافظت على توازنها في انتقاء الأدوار التي تناسبها أمام الكاميرا، فأحبّها الجمهور في مسلسلات: «البديل»، و«يوميات مدير عام»، و«باب الحارة»، ومؤخراً في «عطر الشام»، و«صدر الباز» وغيرها، لكنها تميل في الأصل للسينما والتجربة فيها، وتقول بأن السينما تستهويها أكثر من المسرح، وفي طفولتها تعلّقت بصورة الأنثى في السينما كثيراً. وعن السينما وآخر تجاربها فيها «ليلة عيد» وعن تجربتها في التلفزيون وعلاقة الأمومة بالفنّ ومواضيع كثيرة عن البيئة والتربية والكتابة ومفاصل أخرى كان هذا الحوار مع الفنانة «أميّة ملص».
مقدمات وذكريات
التقينا الفنانة «أميّة ملص» إحدى خريجات المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، وهي نموذج للفنان السوري الأكاديمي صاحب الموهبة، والقادر على التأقلم مع التطوّرات والتغيّرات، وكانت بداية الحديث أن هناك مفاصل تدفع الفنان للتوجّه نحو الدرب الفني، فتكون مهنته وكلّ حياته فيما بعد، وعن هذه المفاصل والترتيبات كانت إجابتها: «لم تكن الأمور بهذا التنظيم والترتيب الواضح، ولم تأت بهذا القرار الناضج، والسبب هو المرحلة العمريّة التي كنت فيها، لكن هناك ما تأثّرت فيه عاطفيّاً ووجدانيّاً، فعندما كنت أتابع مراحل تصوير الأفلام السينمائيّة التي يخرجها والدي «محمد ملص» كنت أتأثّر كثيراً، وخاصّة في فيلم «أحلام المدينة»، وهو عمل ضخم احتوى على لوكيشنات تاريخيّة مهمّة، وكان والدي يشدّد على الإخلاص في الشغل، والجديّة في العمل، وهذا الجمال ما زال محفوراً في دواخلي، وهو ما أثّر في، وكثير من ذكريات تلك المرحلة علقت في الوجدان. إضافة إلى الأفلام السينمائيّة التي تابعتها في الصغر، فمشهد الأنثى في السينما العالميّة بقي صورة مؤثرة جداً، فظهورها جميل جداً، كما في فيلم «كارمينا بورانا» والكثير من أفلام تلك المرحلة».
التربية والبيئة
انتقلنا إلى البيئة، ومدى تأثيرها في الفنانة «أميّة» في اختيار المهنة، وهل من عوامل أخرى كانت محرّضة على هذا الاختيار؟ فتقول: «أولاً التربية مؤثّر أساسي في شخصيّة كلّ إنسان، ولا سيّما في السنوات السبع الأولى، لكن ما زادني تأثّراً هو أني دخلت الجوّ الفنّي بسبب دراسة والدي في الاتحاد السوفييتي، فكثيرٌ من اجتماعاته مع المخرجين ومع الطلاب، كنت أتابعها وأحضرها، ومنها ما كان بشأن التمثيل، والإخراج، وكتابة السيناريو، وغيرها. ولذلك شعرت بأنه لا شيء أهمّ من هذا الأمر في الحياة، لكن أنا كـ«أميّة» كنت أكتب الأشعار والخواطر في بداياتي، ولي أسلوبي في التعامل مع الأحاسيس والكلمات والورقة والقلم، وبعد عودتي من روسيا عشت في الحارات القديمة لدمشق واخترت صديقة لي أحببتها من دمشق، وكنت أتعاطف مع جانب إنساني خاصّ بها فقد كان لديها ظروفها الماديّة الصعبة. لكن في النهاية أذكر أن الذي تربيت عليه هو جوٌّ يميل إلى الثقافة أكثر من الميل إلى الفنّ، فوالدي ووالدتي لديهما مستوى معين مفروض على المنزل من الموسيقا التي نستمع إليها وطريقة التعامل في الحياة وتفاصيل أخرى كثيرة، وهناك ملاحظة أيضاً أن البيت الذي عشت فيه في دمشق؛ كان بيتاً له علاقة بالجانب الدّيني الصوفي، فأهل والدتي لهم زاوية دينيّة، وعلى علاقة بالصوفيّة، فكلّ هذه العوامل أثّرت فيّ وقدّمت زرعاً مناسباً للفنّ بطريقة صحيّة».
بناء الشخصية
استكمالاً للإجابة السابقة لا بدّ من التطرق لموضوع الدراسة: «تضيف الدراسة كثيراً لأي شخصّ، لكن التربية التي اعتدناها في البيت تتمحور في أن كلّ فرد منّا لا بد أن يكون له تحصيله العلميّ الخاصّ، وهناك جدّية في التعامل مع هذا الأمر، وكان الوالد مثالاً لنا في البيت في هذا الأمر، ومثالاً في بناء الشخصيّة، وبذلك تكون القرار في دخولي إلى المعهد العالي للفنون المسرحيّة، والاستقلال في خطّ جديد مختلف عن أهل بيتي ويوازي ما تربيت عليه، واليوم يمكن القول باختصار إن خطّي له علاقة بالتمثيل، وهو متميّز عن عمل والدي، وما يعنيني هو الناحية الأخلاقيّة في الفنّ وليس أن يكون تجارة ومقايضة في الحياة، ولذلك لم أندم على شيء اشتغلته، فكلّ ما قمت به يدخل في باب الخبرة، والتجربة، والتنوّع».
سينما
الفرصة السينمائيّة قليلة في حياة الفنان السوري، فما فرص السينما التي ظهرت في حياة الفنانة «أميّة ملص» وعلى هذا المحور كانت إجابتها: «في السنة الأخيرة شاركت بفيلمين سينمائيين الأوّل «فانية وتتبدد» مع المخرج «نجدة أنزور»، وفيلم «ليلة عيد» الإيراني، وهو من بطولتي، من إخراج «عباس لازوردي»، والعمل في السينما مختلف، وممتع بالنسبة لي، والعمل مع المحترفين شيء مهمّ جداً، وفي الفيلم الإيراني كان النقل بأمانة، فهو يتحدّث عن الحرب في سورية، وعن إحدى المناطق التي هُجّر الناس منها بسبب هذه الكارثة، وهناك توثيق درامي بأمانة، وحكاية دراميّة جميلة، وكان التصوير في منطقة السيدة زينب في دمشق، واشترك في التمثيل الفنانون: «نادين خوري»، و«أوجا أبو الدهب»، و«علي صطوف»، و«ريمي سرميني»، والفيلم عُرض في مهرجان الفجر في طهران. ولي مشاركات سابقة في فيلم «الليل» الذي كان أثناء دراستي في المعهد العالي، وبعد التخرج فيه جاء فيلم «المهد»، وفيلم «باب المقام» وكلّها من إخراج والدي «محمد ملص»، لكن والدي منحني فرصة المشاركة في فيلم «أحلام المدينة» وأذكر مناقشته لي، وكنت طفلة حينها، فعاملني بجديّة الكبار للحصول على هذه التجربة، وكان جادّاً وحريصاً أن أكون مسؤولة عن قراري وتجربتي. أيضاً لي تجربة مع المخرج «باسل الخطيب» في فيلم «مريم». أمّا في السينما القصيرة فلا مشاركة لي في أيّ فيلم للأسف».
مفاصل
أمّا عن المسرح فكان حديثنا التالي: «لست عاشقة للمسرح بقدر عشقي للسينما، فأحن إليه بحدودٍ فقط، فأميل للسينما دائماً، لكن أحبّ مسرح الطفل كثيراً، والتعامل مع الأطفال مهمّ جداً لي فالأطفال صادقون في ردّة فعلهم، وفي تفاعلهم مع الممثل».
تساءلنا أين مكان الكتابة اليوم من حياة الفنانة «أميّة ملص» ولا سيّما أنها حالة تشكّلت لديها منذ البدايات، وتجيب: «أصبحت الكتابة اليوم من المنسيات للأسف، فهناك حوادث حصلت في حياتي جعلتني أبتعد عن عالم الكتابة، فكنت أجد أن الألم يجب ألا يدخل في تفاصيل الكتابة، وخوفي أن تكون الكتابة متنفساً فقط جعلني أعمل على هجرتها».
«البديل» للمخرج «فردوس أتاسي»، و«الخيط» للمخرج «غسان جبري»، كانت من المسلسلات التي قدّمت الفنانة «أمية ملص» بطريقة جميلة، أحبّها الجمهور فيها فنانة تصقل أدواتها، وتحترف في مهنتها، لكن اليوم اختلفت الحال فلم تعد الفرص كما كانت في السابق، وحول هذه الفكرة تقول: «الفرص سابقاً كانت أفضل بكثير، وأعزو ذلك إلى عدد الفنانين المحدّد، أمّا اليوم فهناك سهولة في دخول الوسط الفني، والعمل فيه، على حين سابقاً كان هناك مسؤوليّة للعمل الفني، ولم يكن باب التجارة، كما اليوم، مفتوحاً على هذه المهنة. ويزعجني أن استذكر هذه الأمور فهذا يسيء للفنّ وعلينا ألا نكرسه في حياتنا. في تلك الفترة حاولت أن أحافظ على المستوى الذي بدأت فيه، لكنني ابتعدت فترة عن العمل لظروفي العائليّة، وحاولت العودة بصعوبة، لكني عدت والحمد لله».
تعدّ الفنانة «أميّة» الأمومة أهمّ مرحلة في حياتها الشخصيّة، وهي إنجازٌ خاصّ كما تقول، ولا يؤثر الموضوع في المهنة بتوافر أشخاص داعمين، وهذا ما حصل معها، وتشير أيضاً: «بعد تجربة كهذه أصبحتُ أكثر مسؤوليّة، وأكثر دقة للاختيار في العمل، وأصبحت نظرتي أعمق فشاركت ابنتيّ الرأي وأصبحت أوسع دائرة المناقشة معهما، وكان هذا الأمر ضرورة، وطريقة لولادة الفكرة، والمناقشة معاً، وهذا ولّد نتائج رائعة في العلاقة معهما، وهناك نقد متبادل والتزام في كلّ خطوة، وما يهمني المحافظة على اسمي ومكانتي، وسعيت لفكرة أن تكونا أكثر فخراً بوالدتهما في هذا المجتمع بمتاعبه وقسوته وصعوباته».
بين الجزأين
حقق مسلسل «يوميّات مدير عام» شهرة كبيرة للفنانة «أميّة» لكن بمرور 18 عاماً كفارق زمني بين تصوير الجزأين، لا بدّ من صعوبة في استحضار تفاصيل الشخصيّة نفسها وشكل الجسد قد تغير مع ملامح الوجه وغيرها، وحول هذه الفكرة تقول: « هناك مقاربة بين تفاصيل الشخصيّة ونضوجها لكي تشبه نفسها في الجزأين، فاعتمدتُ على صفاتها في الجديّة والالتزام، فقد كانت في الجزء الأوّل لا تحبّ الغلط، وتحافظ على الحقّ، وهي أقرب لشخصيّة والدها العادل، فورثت الطبع منه، وهذا ما حافظت عليه بالتأكيد، كما كان الجزء الثاني له مساحة جديدة للشخصيّة من خلال ميدان عملها كقاضية، لكن لعبت على الشكل أكثر واهتممت به ولا سيما أنني تغيرت في الحقيقة أيضاً. إضافة إلى النضوج في التمثيل فهناك بعض التفاصيل التي أضع عليها ملاحظاتٍ في الأداء، وذلك في الجزء الأوّل، على حين في الثاني فقد منحتُ الشخصية اكتمالها».
بوران
كان لشخصيّة «بوران» في مسلسل «باب الحارة» تميّزها عربيّاً، وتعزو «أميّة» نجاح ذلك إلى الأسباب: « لا يمكن إغفال دور الممثل وتعبه، بالإضافة للإخراج الذي قدّمه «بسام الملا» فهو يضع كلّ شخص في مكانه المناسب، وهذا ما يلعب دوراً مهمّاً في نجاح العمل بصورة أكبر». وحول النقد الكبير الذي وجّه لمسلسل «باب الحارة» كانت إجابتها: «هناك ظروف معيّنة جعلت من المخرج «بسام الملا» يبتعد، ويوكل مهمّة الإخراج لأشخاص معينين، وهذا ما جعل العمل يكتسب روحاً مختلفة عن الروح التي قدّمها «بسام الملا» في الأجزاء الأولى، وهنا يقف دور الممثل فلا قرار له في ذلك، وبالنسبة لي كان من واجبي أن أحافظ على شخصيّتي والعمل عليها ما أمكن، وعلى الرغم من ظلم المساحة في الأجزاء الأخيرة، فوجودها كان أهم في السابق مما هي عليها اليوم». وعن معنى هذه الشخصيّة بالنسبة لها فتضيف: «بوران تعني لي البنت الحنون التي تحبّ عائلتها، وتسعى للمحافظة عليها، فهي مثلها الأعلى ومصدر الفخر لها، وإضافة إلى الصبر، وتحمل الضغط من زوجها مقابل المحافظة على عائلتها».
شاركت الفنانة «أميّة ملص» في الموسم الأخير بمسلسلات «باب الحارة» و«عطر الشام» و«صدر الباز» وثلاثيّة «مدرسة الحبّ» وعن مشاركاتها تقول: هذا ما تقدّم لي، وأنا أطمح لأفضل منها بالتأكيد، ولكن هذا ما كان متاحاً، ولا بدّ أنني أحاول أن أجد حلاً من خلال مدير أعمال ومسوّق ناجح لكن هذا غير متوافر اليوم في سورية». وعن المسلسل الأفضل للموسم السابق تقول إنه «مسلسل الندم» وسبب ذلك النص والإخراج المتكاملان».
تعليق