إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بنكهة وجع السوريين رغم أن بعض مشاهده خالفت الوقائع الموضوعية مسلسل «بانتظار الياسمين»

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بنكهة وجع السوريين رغم أن بعض مشاهده خالفت الوقائع الموضوعية مسلسل «بانتظار الياسمين»

    من المؤكد أنه لم يخطر في بال «أسامة كوكش» كاتب مسلسل «بانتظار الياسمين» ولا في بال مخرجه «سمير حسين» أن يتقاطع مسلسلهما مع وجع ومعاناة الناس حد التطابق مع الحدث في اليوم ذاته.



    فمن مصادفات هذه
    الحرب -وربما تحمل الحرب صفة جديدة هي أمّ المصادفات- أن يحدث في حمص انفجار سيارة مفخخة في تاريخ 29 آب في اليوم الذي تعرض فيه «سورية دراما» الحلقة ما قبل الأخيرة منه أي الحلقة 33 التي يستعاد فيها بشكل وثائقي عبر فضائية الإخبارية خبراً عن انفجار سيارة مفخخة في حي الزهراء بحمص، فتطابقت الدراما بما استعانت، مع الواقع، فالانفجاران حدثا في الحي ذاته!!
    ولأننا ما زلنا نعيش التفاصيل المؤلمة لهذه
    الحرب التي جاء المسلسل ليكون صرختنا في وجهها وفي وجه من صنعها ومازال يدعم استمرارها، فلا يمكننا غض النظر عما وقع فيه المسلسل من أخطاء على الرغم من أنه بحلقاته التي بلغت 34 حلقة، يؤكد مهارة الكاتب كوكش في بناء الأحداث والشخصيات التي تجسّد كل واحدة منها محوراً درامياً، أو بمجموع شريحتها، كالنساء، أو الأطفال، أو المهمشين، فضلاً عن وجودها جميعاً كسياق واحد خاضع لضغوطات الحرب وما أنتجته من ظروف حياة قاسية فرضت على جزء منها النزوح من بيوتها ومدنها والسكن في حديقة عامة، أو المعاناة حسب كل شخصية وظروفها من وقائع الحرب عليها، نفسياً أو مادياً. وهي بمجملها شخصيات تشبه معظمنا كمشاهدين، إلى حد كبير أو قليل. فمن المعاناة من وطأة الحرب وقلّة فرص العمل أمام شريحة الرجال والشباب، إلى معاناة الأطفال وما يتعرضون له من حرمان وعذاب إلى حد المتاجرة بأجسادهم، أو وقوعهم ضحية أفعال عصابة خارجة على القانون، كل ذلك منسوجاً مع معاناة متعددة للمرأة، يأتي في مقدمتها سطوة شروط اجتماعية عليها في مجتمع بطريركي يبيع بها ويشتري كالجواري أو العبيد، وتعامل بعنف بمناسبة وغير مناسبة.
    استطاع فريق التمثيل الذي اختاره المخرج حسين، بمختلف أجياله، أن يجسد لنا أبعاد شخصياتهم النفسية والفنية والفكرية، بأداءات باهرة جعلتنا ننسى أن ما نشاهده عمل درامي بل نشاهد ذواتنا على الشاشة بكل ما يعترينا من قلق وأسئلة وحيرة وارتباك ولحظات فرح عابرة، وحزن عشش في قلوبنا وأيامنا، وتشاؤم وخوف من الغد، وعيش بعضنا بطريقة عبثية من دون الاكتراث بما يحصل، خوفاً من الموت المتربص بنا كل ثانية. وإن كنا قد أخذنا على المسلسل ملاحظة فنية في مقالة سابقة غير خاصة بالمسلسل وحده، يتحمل مسؤوليتها المخرج وبعض الممثلين، لكن ذلك لا يمنعنا من القول إن
    «بانتظار الياسمين»، لولا تلك الملاحظة وما سنورده من ملاحظات على الكاتب، يظل مسلسلاً مهماً استطاع أن يجسد لنا معاناة شريحة واسعة من الناس في ظل الحرب.
    الدرامي والواقعي
    ما يؤخذ على الكاتب أنه لم ينتبه لعدم مطابقة الدرامي مع الواقعي الموضوعي، ولاسيما في حدث مهم جداً ورد في سياق العمل وبنى عليه الكاتب محوراً درامياً جسدته شخصيات (لمى.. سلاف فواخرجي)، (تيم.. جوان الخضر) وطفليهما، فأحداث المسلسل وفق شخصية (هبة/ مرام علي) كما تقول في الحلقة الثالثة تجري العام الجاري، فهي تسخر من عيشنا ظروفاً طارئة بعد خمس سنوات من الحرب. وفي ضوء هذا التأريخ كيف تم خطف شخصية (تيم) من قلب حمص كما شاهدنا موقع بيت العائلة في مشهد زيارة (لمى ورضا/ سامر اسماعيل) في الحلقة 30، منذ شهرين، وفق تصريح الزوجة لمى في مطلع المسلسل. وفي أحسن الأحوال بما أن أحداث المسلسل تجري في فصل الشتاء أي إننا في بداية العام الجاري، فالزوج خُطف في نهاية العام 2014، لكن وفق ما شاهدنا في نهاية الحلقة 24 أن الذي خطف تيم وذبحه هو تنظيم «داعش»، وهذا يخالف وقائع
    الحرب في حمص، لأن تنظيم «داعش» لم يدخل حمص المدينة، وإن دخلها العام 2015 كمحافظة في أطرافها (بلدات وقرى)، فضلاً عن أن حمص المدينة أصبحت خالية من المجموعات المسلحة منذ أيار العام 2014، فكيف خطف «تيم» فيها؟ إضافة لذلك لم يوضح لنا الكاتب كم يوماً تعرضت هذه العائلة للحصار حتى اضطر الزوج للخروج من البيت لأجل ربطة خبز فاخْتُطِفَ؟! بمعنى أن الكاتب لم يستطع نسج وثيقة تقارب الواقع، وكانت خالية من عنصر الإقناع لمن يتابع ما حدث ويحدث في مدينته على الأقل، وأزعم أنه لا يحق لأي كاتب خلق وقائع مخالفة لما حدث، ولاسيما أن العمل يقارب حدثاً تاريخياً مازال جارياً، بحجة أن العمل الأدبي أو الفني فيه جانب تخييلي، وهذه مسألة يمكن الحوار عليها وفيها، مطولاً، لكن ليس مقامها بين هذه السطور!
    كما أن الكاتب كرر الخطأ ذاته مرة ثانية، عندما قدّم لنا مشهداً في نهاية الحلقة 18 وفيه انفجار سيارة مفخخة في أحد أحياء دمشق، وكانت شخصية (رضا/ سامر اسماعيل) في الحي ذاته! نستغرب من الكاتب كيف يقع في مثل تلك الأخطاء، فأحداث مسلسله تجري هذا العام الذي تؤكد معظم المصادر -حتى لو كانت ذاكرتي قد هرمت- عدم وقوع انفجار أي مفخخة في دمشق، ولا حتى في العام 2014، فهذا الاستثمار غير الدقيق للوقائع ليس في مصلحة المسلسل، وكان في إمكان الكاتب نسب هذا الحدث إلى بداية الأحداث، ويستعيده من ذاكرة الشخصية، فتصبح وفق ما شاهدنا من تصرفاتها، تصرفات أكثر إقناعاً لنا، بل ومنسجمة مع رسمه لها.
    نقدٌ مضمر
    وإن جئنا لتكرار سرقات عصابة (أبو الشوق/ أيمن رضا) من دون أن يشاهدها أحد، بما أن معظمها يتم في وقت متأخر، نجدها أمراً مسلّماً به، لكن من المفترض وفق مكان سكن العصابة خارج العاصمة، مرورها بسيارتها ذات الألوان العسكرية المموّهة على حواجز كثيرة، أن يتنبّه لأفرادها، أحد الحواجز التي ملأت دمشق ومخارجها، فكيف لم يشكّوا في أمرهم ولا مرة؟ قد نقبل من الكاتب ذلك إن كان يضمر بما قدّمه نقداً لتقصير بعض عناصر الحواجز، نقداً لم يجرؤ على الإفصاح عنه.
    ليس أخيراً، توقعنا أن يترك المسلسل محور علاقة (لمى/ سلاف فواخرجي) بأهلها مفتوحاً على الأمل كما أغنية شارة العمل، لكنه خذلنا. وإن كان لنا أن نختتم ليس بأغنية الراحل معن دندشي (يا طير سلّملي ع سورية...) التي اختتم العمل
    مشاهده الأخيرة على نغمات حبها التي للأسف لم يتذكرها إعلامنا إلاّ في هذه الحرب، نختتم بما قالته شخصية (أبو سليم/ غسان مسعود) في الحلقة 12 «الدمعة المالحة لمن بتنزل عالخد بتقول حكي كتير»، حقاً ثمة دمع كثير وحكايا أكثر قدمها لنا المسلسل من خلال شخصياته المنسوجة بوجعنا وآلامنا وآمالنا بوقف الحرب، فهل نشهد؟

يعمل...
X