جعله الجميع "شمّاعة" لإخفاق "فرقة" إنريكه في حفلة الكلاسيكو.. سواريز هل هو "متّهم مظلوم"؟.
صبّت الجماهير الكتالونية جام غضبها على المدرب لويس إنريكه عقب الفشل في عبور امتحان الكلاسيكو بسلام من أرض الـ"بيرنابيو"، واجتمع أغلب النقّاد تقريباً حول فكرة "القراءة غير السليمة" لمدرب البلاوغرانا بإقحام نجمه الأوروغوياني، لويس سواريز، منذ البداية في هذا الموعد الحسّاس، لا سيما أنّ الأخير يعود إلى الملاعب في أوّل مصافحة رسمية بقميص فريق الإقليم.
المتمعّن في هذا الاتّهام الغالب على السواد الأعظم من ردود الفعل بعد قمة الليغا، يقرّ مبدئياً بأنّ سواريز كان أحد العوامل الجوهرية التي هوت بالمنظومة الكتالونية في الصدام الأبرز مع غريمه اللدود، بعد 8 مراحل سبح فيها برشلونة في محيط التميّز وحيداً دون أن تُنتهك كبرياء شباكه "محلياً" قبل أن يمهّد باريس سان جيرمان الفرنسي الطريق للملكي بإلحاق الخسارة الأولى للبرصا عبر إحداثيات معترك الأبطال ذات ليلة في "بارك دي برانس" بنتيجة (3-2).
سواريز.. كيف ولماذا؟
لسنا هنا في ثوب "محامي الدفاع" عن نجومية سواريز أو فاعليته التي ملأت دنيا الكرة وشغلت أهلها، ولا لتغطية عين الشمس أيضاً، فنجم السيليستي لم يداعب الجلد المدوّر منذ فترة لا تقل عن أربعة أشهر قبل أن يتقرّر لاحقاً السماح له بالعودة إلى التدريبات وخوض المباريات الودية، ومن الحتمي أنّ الأمر لن يكون هيّناً، على أيّ لاعب توهّج في الموسم الماضي خاتماً عروضه بظهور مونديالي بارز ومثير للجدل، العودة مجدّداً في أوج الأداء مع فترة "البطالة الكروية" المذكورة آنفاً.
ما جرّنا للحديث عن سواريز كعيّنة للتحليل، هي الاتّهامات غير المباشرة التي وُجّهت إليه بواسطة توجيه أصابع الانتقاد لإنريكه الذي عوّل عليه كأساسي في الكلاسيكو، وهنا تستوقفنا إشارات وملامح عدّة محورها السؤال القائل. على أيّ أساس بُنيت هذه الانتقادات؟
يتأجّج هذا السؤال أكثر بالعودة إلى أحداث القمّة ذاتها، فسواريز بمنطق الميدان كان أحد أنجع اللاعبين إلى حدود موعد خروجه في الدقيقة 69 حين ترك مكانه لبديله بيدرو رودريغيث، فنجم ليفربول السابق قدّم التمريرة الحاسمة للهدف الأول الذي أمضاه البرازيلي نيمار بعد 4 دقائق فقط عن بداية اللقاء، وهو مايعني بداية مثالية، ومن ثمّ أهدى "كرة المواجهة" للأرجنتيني ليونيل ميسي في الدقيقة 23 من تمريرة رائعة، ولكنّ الأخير فشل في وضع كرة سهلة في مرمى "القدّيس" الذي نجح في محوها من مرماه.
باستثناء هاتين المساهمتين، حاول سواريز في حدود جاهزيته البدنية المتوفّرة، تقديم كلّ ما لديه حيث سعى إلى التحرّك على كامل المدار الدفاعي للكتيبة الملكية، كما أنّ تحفّزه للظهور بشكل جيّد بعد غياب طويل كان جلياً، غير أنّ كلّ ما سبق لا ينفي أنّ سواريز لا يزال أمامه عمل كبير لكي يصل إلى مستواه البدني والفنّي الأقصى الذي عُرف به في ليفربول، وهذا منطقي كون مواجهة ريال مدريد هي ببساطة، الأولى له رسمياً مع برشلونة، ومن الأكيد أنّ هامش التحسّن أمامه كبير للغاية.
إنريكه بين سوء التوظيف وعقم لاعبيه؟
ارتباطاً بسواريز وقضية الاعتماد عليه كعنصر أساسي بعد زمن من الاحتجاب، نتطرّق إلى إنريكه، الذي لا يمتلك في رصيده خبرة كمدرب بمثل هذه المواعيد الساخنة، على الرغم من حنكته فيها كلاعب عندما خَبِرَ هذه المعركة الطاحنة بلوني الغريمين معاً، فمدرب البرصا كان مرمى لسهام الانتقاد من حشود الإعلاميين والنقّاد حول العالم لسبب رئيسي ألا وهو سوء توظيفه لإمكانات لاعبيه وقرائته الفنية "الضعيفة" لتقلّبات اللقاء.
ما يمكن أن يفهمه كلّ متتبّع للكرة، أنّ مباراة كرة القدم هي عباراة عن امتحان للمدرب ففيها يقدّم تصوّراً للإجابة الصحيحة، ولكن هذا التصور قد ينجح وقد يفشل، ولكن من غير المنطقي أن نرمي بثقل الفشل على زاوية واحدة أو عامل واحد، وهو ما حصل في مسلسل سواريز والتعويل عليه كأساسي.
مباراة البيرنابيو كانت في حسابات إنريكه المبدئية محكومة بضرورة المناورة، حيث قدّم في المؤتمر الصحفي الذي سبق اللقاء بيوم تصريحاً لوسائل الإعلام مفاده أنّ سواريز سيلعب بعض الدقائق فقط دون معرفة مقدارها ولا ميقاتها، ولكن قبل المباراة عَلِمَ الجميع أنّ الأخير سيتصدّر طليعة المهاجمين، وهو ما اعتبره النقاّد فيما بعد خياراً فاشلاً استناداً للنتيجة التي آلت إليها المباراة، بينما هي في الواقع مناورة لإنريكه، لم يفشل فيها تماماً ولكن المحصّلة كانت سلبية، ومسبّباتها عديدة وليس سواريز بعينه؟
ليو.. بيت القصيد المسكوت عنه
بين متّهمين (إنريكه وسواريز).. يقف مسبّب آخر لسقوط الكلاسيكو ولكن كأنّ الجميع نسيه أو تناساه، والحال أنّ نجمه لطالما تعوّد السطوع في "كلاسيكو الكون".
كان من المنتظر أن تلعب نجومية ميسي ولمسته الفارقة التي تعوّدت عليها جماهير كتالونيا، دوراً رئيسياً في مسرح "سانتياغو بيرنابيو" خصوصاً وأنّ الأمر بالنسبة لابن التانغو المدلّل لا يخلو من المحفّزات بوجود منافسه الأول على أضواء الشهرة وعناوين التميّز، البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي يواصل صناعة ربيع مدريد في كلّ الفصول، ولكنّ "ليو" رمى بالتوقّعات عرض الحائط صامّاً أذنيه عن أحاديث المتفائلين من بني فريقه.
من شاهد عرض ميسي الشاحب بالأمس، يستحي الإشارة بإصبع اللوم على سواريز، إذ لا وجود للإنصاف بين الحالتين، فلاعب يسجّل مشاركته الأولى في الكلاسيكو وبعد غياب طويل، وآخر احتكر النجومية بلا مبرّر (في لقاء أمس).
وجه العدالة يقضي بالإقرار بفشل ميسي الذريع في سهرة مدريد الرائقة ونجاح سواريز بنصف جاهزيته في تقديم العون إلى حدود الإمكان، لذا لا يمكن تفهّم شنّ حملة على الثنائي سواريز – إنريكه، الجديد في عرف الكلاسيكو، والسكوت عن من تعوّد لعب أدوار البطولة، الذي ظلّ مكتوف الأيدي وقت الحاجة إليه.
الخلاصة
خلاصة القول إنّ هذه الانتقادات التي اتّخذت هويتي إنريكه وسواريز مرمى لسهامها، قد لا تكون بريئة تماماً، فنجم ميسي بدأ بالأفول منذ فترة مع البرصا وحتى ألقه في المونديال البرازيلي لم يسبقه توهّج مع برشلونة في الموسم الماضي لأسباب عدّة، ورغم ذلك لا أحد يجرؤ على خدش حيائه بشكل فاضح كأنّه "القدّيس" المعصوم من الأخطاء.
بدورها، بداية الموسم الحالي تثبت مع تقدّم الجولات أنّ مساهمات "البرغوث" في انخفاض مستمرّ مع برشلونة خصوصاً تراجع المعدل التهديفي لديه، ولو أنّ الإعلام الكتالوني لا يودّ التركيز على هذه النقطة، مفضّلاً التهليل باقتراب النجم الأوحد (250 هدفاً) من تحطيم الرقم الصعب لنجم أتليتيك بيلباو تيلمو ثارا (251 هدفاً) كأفضل هداّف في الليغا، مع التنويه بمساهمات ميسي في صنع الأهداف لنيمار، وهو في الحقيقة ليس دوراً جديداً يضطلع به الأرجنتيني بقدر ما هو بساط مسحوب من تحت قدميه بفعل توهّج راقص السامب، نيمار دا سيلفا.
يبقى أن نقول بأنّ الأيام المقبلة قد تشهد تطوّرات لا تصبّ في خانة ميسي إذا ما واصل السير على هذا النهج، خصوصاً مع عودة سواريز الذي لن يأخذ وقتاً طويلاً على ما يبدو للالتحاق بأوركسترا النجوم.
تعليق