قال تبارك وتعالى: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 98].
وقال تبارك وتعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمِرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين))؛ متفق عليه[1].
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن سجد لله سجدةً، كتب الله له بها حسنةً، وحطَّ بها عنه خطيئةً، ورفَع له بها درجةً))[2]؛ صحيح الترغيب والترهيب.
السجود لله - سبحانه وتعالى - أن يَطرح العبد أشرف ما يظهر منه على الأرض راغبًا محبًّا، معظمًا متقرِّبًا لربه وخالقه، مسلِّمًا أمره، معترفًا بذنبه، منكسًا رأسه.
فالسجود روضة خاصة، إذا دخلها القلب لا يخرج منها أبدًا، ففيها من اللذة والانشراح ما لا يُوصَف، ولا يحيط به قلم.
روضة أقرب ما يكون العبد من ربه وهو فيها يتنعَّم، تُسكَب فيها العبرات، وتُزاح الآهات، تطرح الحاجات، تُجاب الدعوات، ترفرف الأفئدة نشوة وفرحًا بما تنعم به في مِثل هذه اللحظات.
روضة فيها لقاء من نوع خاص لا يَحضُره أحد ولا يُمنع منه أحد، ولا يدري به أحد، فهو بين العبد والرب، لقاء شفاف بعيد عن الدنيا ومن فيها وما فيها، تختلط فيه الدموع بالدعوات، والتملق بالثناء، والخوف بالرجاء، والسرور بالبكاء.
إذا حصل وتذوَّق طعم ما في هذه الروضة، انقلب ودخلها دخول صدق ففيها وبها يرتفع قدره ويسمو مقامه، وبكل سجدة درجة.
فالسجود ذلٌّ لله العزيز القهار، وخضوع واعتراف ونزول واستسلام وطاعة وامتثال، وهو أيضًا رِفْعة وقوة وانشراح واطمئنان ومظنَّة إجابة الدعاء وكشْف الكربات.
في السجود دمعة صادقة لا يراها إلا مَن سكبت له ومِن أجْلِه، وفيه اعتراف جريء لا يسمعه إلا من وسع سمعه كل شيء، وهنا في السجود طلب ما لا يدري به أحد، وروضة للقلب قبل البدن والروح.
عنوان عبودية، ورمز خضوع، وموقف عزٍّ، ومدرسة اعتراف، فسبعة أعضاء تسجد لله وتحمل البدن، كلها مُنطرِحة غير متأفِّفة ولا مستكبِرة، بل راغبة مُحبَّة طالبة للعز والرفعة.
في روضة السجود جلاء الكبر، ومحو الذنب، وتطهير النفس، وصقْل القلب، فاسجد ففي كلِّ سجدة تسجدها مطمئنًّا مؤمنًا ترتفع درجة، وأقرب ما يكون القلب من الرب إذا سجد، فلا تبخل على نفسك، ولا تعجل في سجودك، فأطِل؛ فاللذة تأتي كلما طال بقاؤك ساجدًا حتى إنك تود ألا ترفع.
اسجد باكيًا ويا لذة البكاء في السجود! واسجد سائلاً، وداعيًا، ومسبِّحًا، ومهللاً، متضرِّعًا خاضعًا، فأنت في جنَّة من جنان الدنيا!
اسجد واحمد الله - تبارك وتعالى - أنْ وفَّقك للسجود، فكم من محروم لا يدري ما السجود! وإن طرَح جبهتَه على الأرض، نقرها نقرًا لا يدري ما قال ولا يعرف ما ذاق.
واعرف السجود لتكثر، فاسجد للشكر، واسجد للتوبة واسجد للتلاوة، واسجد للسهو في صلاة، ولتكن حياتك سجودًا، فالقلب يسجد لله سجدة لا يقوم منها عبوديَّة وطاعة وامتثالاً ورغبة ورهبة.
اسجد وكن من الساجدين، قبل أن ﴿ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 42، 43].
اسجد سجودًا يليق بمن تَسجُد له.
• فـ"السين" سمو.
• و"الجيم" جَنة.
• و"الدال" دائمة.
فلا يليق بك أن تعرف هذا، وتجعل سجودَك مرورًا عابرًا تَخطف التسبيحات خطفًا وكأنك على جمر.
اللهم تقبَّل ركوعنا وسجودنا، وارزقنا سجودًا يرفع عندك درجاتنا وتمحو به سيئاتنا.
[1] البخاري (779) مسلم (228).
[2] صحيح الترغيب والترهيب (392).
نبيل عبد المجيد النشمي..
تعليق