ركب معي في السيارة أحد المعارف ُهو ووالده قبل عشرين عاماً، وقد استغربت كيف أن الولد الشاب أدخل والده في المقعد الخلفي وركب هو بجانبي!!، لكن الأغرب من ذلك أن محادثة بين الأب وإبنه طالت وتحولت إلى ُمشادة كلامية لم أعرف كيف أوقفها وأنا أقود السيارة بين مكة وجدة.. وتطورت الُمشادة في النهاية لرفع الشاب يده عالياً ُمهدداً والده بالضرب إن لم يسكت!!
كانت ُمفاجأة كبيرة لي، وقد علمت فيما بعد أن ذاك الشاب قد تعوّد على هذا العقوق مع والديه وأنها ليست المرة الأولى هذه التي حدثت معي..
ذاك الشاب كُبر الآن واصبح في الخمسينات من عمره.. وقد تأمّلت سيرة حياته من يومها وحتى اليوم، فوجدت كيف أن الرب العادل عزوجل ُيمهل ولا ُيهمل في معظم المعاصي إلاّ في العقوق.. فذاك الشاب المسكين - نسأل الله لنا وله العافية - لم أعرف على مدى العشرين السنة الماضية أمراً دخله إلاّ وكان يتخبط فيه بين الفشل والعجز والخسارات المتتالية..
زوجة نكدية لا أتمنى مثلها لشارون اللعين، وعمل ُمهين يطرد منه إلى عمل أحقر منه وأشنع.. حتى عندما جاءه رزق لم يخطر على باله دخل به في أعمال فخسرها في مدة قصيرة جداً وكادت الديون تعصف به وبأسرته وترميهم في الشارع، تكالبت عليه الأمراض وهو مازال في ريعان الشباب..
لكن الأنكى والأعظم هو ما جاء يشتكي منه أخيراً بأن ولده الأكبر ( المعروف بهدوءه ) بات يرفع يديه على والده.. وُيهدده بالضرب مثلما كان يفعل الأب في أبيه قبل عشرين عاماً !!
ُسبحانك ربي ما أعدلك..
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23-24]
تعليق