ممّا لا شك فيه أنّ مرض القلب أصبح داء العصر بسبب المعاصي التي يرتكبها العبد حتى طبع على قلبه فصار لا يفقه أو بسبب تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة ونسيان الموت وسكراته وغيرها من مسببات هذا الداء الخطير.. أعاذنا الله وإياكم.. قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [سورةالبقرة: 10].
المراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق لأنّ القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطلة ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات، والزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفعلها من مرض الشهوات.
قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سورة الحديد: 16]، أي: ألم يأت الوقت الذي به تلين قلوبهم وتخشع لذكر الله الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام ثم لم يداوموا عليه ولم يثبتوا بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم.
فتن القلوب
عن النعمان بن بشيررضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» [رواه البخاري ومسلم].
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين: على قلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلاّ ما أشرب من هواه» [رواه مسلم].
أشربها: أي امتصها وتحللت في أجزائه.
أسود مرباداً: أي تام في السواد.
كالكوز مجخياً: أي كالكأس منكوساً.
قال ابن القيم: "فشبه عرض الفتن على القلوب شيئاً فشيئاً كعرض عيدان الحصير، وقسم القلوب عند عرضها عليها قسمين:
الأول: قسم إذا عرض عليه فتنة أشربها كما يشرب الإسفنج الماء فنكتت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسّود وينتكس، فإذا اسود وانتكس عرض له من هاتين الآفتين مرضان خطيران متراميان به إلى الهلاك.
أحدهما اشتباه المعروف عليه بالمنكر فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكراًً والمنكر معروفاً والسنة بدعة والبدعة سنة والحق باطلاً والباطل حقاً.
والثاني تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وانقياده للهوى وإتباعه له.
الثاني: قلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر فيه مصباحه فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه وقوته".
أقسـام القـلـوب
القلب الصحيح: هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلاّ من أتى به كما قال الله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89].
والسليم هو السالم، فهو القلب الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره وسلم من تحكيم غير رسوله صلى الله عليه وسلم.
القلب الميت: وهو القلب الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربّه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربّه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه رضي ربّه أم سخط، فالهوى إمامه والشهوة قائده والجهل سائقه والغفلة مركبه.
القلب المريض: وهو قلب له حياة وبه علة فله مادتان، تمده هذه مرة وهذه أخرى وهو لما غلب عليه منهما ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه: ما هو مادة حياته. وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر والعجب: ما هو مادة هلاكه.
القلب الأول: حي مخبت لين واعٍ، والثاني: يابس ميت، والثالث: مريض.
أنواع القلوب
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس فذلك قلب المنافق عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمى، وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق وهو ما غلب عليه منهما".
مـفسـدات القلــب
قال ابن القيم: "خُلقت النار لإذابة القلوب القاسية، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله، وإذا قسا القلب قحطت العين، وقسوة القلب من خمسة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: كثرة الخلطة، والتمنـي والتعلق بغير الله تعالى، والشبع والمنام".
آثار المعاصي على القلب
- تضعف القلب:
فهي تضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية فيأتي بالاستغفار وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها وهذا من أعظم الأمراض وأقربها من الهلاك.
- كثرة الذنوب تطبع على قلب صاحبها:
قال بعض السلف في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14] أنّه: "لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم".
- تذهب الحياء من القلب:
فمن عقوباتها: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه قال صلى الله عليه وسلم: «الحياء خير كله» [رواه مسلم].
- تضعف في القلب تعظيم الرب:
فمن عقوبات الذنوب أنّها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد شاء أم أبى ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه؟؟؟
- تضعف سير القلب إلى الله:
فالذنوب تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه.
- توقع الوحشة في القلب:
يجد المذنب نفسه مستوحشاً قد وقعت الوحشة بينه وبين ربّه وبين الخلق وبين نفسه وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة، وأمرّ العيش عيش المستوحشين الخائفين وأطيب العيش عيش المستأنسين.
- تمرض القلب:
حيث أنّها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، وقد أجمع السائرون إلى الله تعالى، أنّ القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها فيصير نفس دوائها ولا يصح له ذلك إلاّ بمخالفة الهوى فهواها مرضها وشفاؤها مخالفته.
- تعمي بصيرة القلب:
وتطمس نوره وتسد طرق العلم وتحجب عنه الهداية ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحل، وظلام المعصية يقوى حتى يصير القلب مثل الليل البهيم فكم من مهلك يسقط فيه وهو لا يبصره.
علامات صحة القلب
1- أنّه لا يفتر عن ذكر ربّه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره.
2- أنّه إذا فاته ورده وجد لفواته ألماً عظيماً أعظم من تألم الحريص بفوات ماله.
3- أنّه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همّه وغمّه واشتد عليه خروجه منها ووجد فيها راحته ونعيمه.
4- أن يكون همه هماً واحداً وأن يكون همه في الله تعالى.
5- أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعاً من أشد النّاس شحاً بماله.
6- أن لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله.
7- أنّه يشتاق لخدمة مولاه تعالى كما يشتاق الجائع إلى الطعام.
8- أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أكثر من اهتمامه بالعمل نفسه.
علاج القلب
- المعرفة بالله تعالى:
فمن عرف ربّه حق المعرفة رق قلبه ومن جهل ربّه قسا قلبه، قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل: ما أطيب فيها؟ قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكر الله وطاعته".
- تذكر الموت وما بعده وزيارة القبور والتفكر بأهلها:
فإنّ هذا من أنجع الأمور التي توقظ القلب من غفلته ونومه، قال صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هادم اللذات فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة من العيش إلاّ ضيقها عليه» [أخرجه ابن حبان].
قال صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنّها ترق القلب وتدمع العين وتذكر بالآخرة» [أخرجه الحاكم].
- تدبر آيات القرآن الكريم:
فإذا تدبر قلب المؤمن آيات الله واستشعر أنّ الله يخاطبه بها رأى من نفسه خيراً فخشع قلبه وفاضت عينه وسارت نفسه إلى ربّها.
- الإكثار من ذكر الله تعالى والاستغفار:
قال صلى الله عليه وسلم: «إنّه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة» [رواه مسلم].
وجاء رجل للحسن البصري فقال: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي؟ فقال: أذبه بالذكر.
ويقول ابن القيم: "صدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر".
- زيارة الصالحين ومخالطتهم والقرب منهم وصحبتهم:
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [سورة الكهف: 28].
فالصالحون يأخذون بيدك إن ضعفت ويذكرونك إذا نسيت ويرشدونك إذا جهلت وإن رأيتهم ذكروك بالله وأعانوك على طاعته.
- مجاهدة النفس ومحاسبتها:
فيجب على الإنسان أن يخلو مع نفسه ويحاسبها على كل فعل فعله في يومه ويرى أرضي الله بفعله أو أغضبه.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا ولسانا ذاكرا وقلبا خاشعا إنّه سميع مجيب.
سلسلة العلامتين
المراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق لأنّ القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطلة ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات، والزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفعلها من مرض الشهوات.
قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سورة الحديد: 16]، أي: ألم يأت الوقت الذي به تلين قلوبهم وتخشع لذكر الله الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام ثم لم يداوموا عليه ولم يثبتوا بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم.
فتن القلوب
عن النعمان بن بشيررضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» [رواه البخاري ومسلم].
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين: على قلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلاّ ما أشرب من هواه» [رواه مسلم].
أشربها: أي امتصها وتحللت في أجزائه.
أسود مرباداً: أي تام في السواد.
كالكوز مجخياً: أي كالكأس منكوساً.
قال ابن القيم: "فشبه عرض الفتن على القلوب شيئاً فشيئاً كعرض عيدان الحصير، وقسم القلوب عند عرضها عليها قسمين:
الأول: قسم إذا عرض عليه فتنة أشربها كما يشرب الإسفنج الماء فنكتت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسّود وينتكس، فإذا اسود وانتكس عرض له من هاتين الآفتين مرضان خطيران متراميان به إلى الهلاك.
أحدهما اشتباه المعروف عليه بالمنكر فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكراًً والمنكر معروفاً والسنة بدعة والبدعة سنة والحق باطلاً والباطل حقاً.
والثاني تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وانقياده للهوى وإتباعه له.
الثاني: قلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر فيه مصباحه فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه وقوته".
أقسـام القـلـوب
القلب الصحيح: هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلاّ من أتى به كما قال الله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89].
والسليم هو السالم، فهو القلب الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره وسلم من تحكيم غير رسوله صلى الله عليه وسلم.
القلب الميت: وهو القلب الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربّه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربّه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه رضي ربّه أم سخط، فالهوى إمامه والشهوة قائده والجهل سائقه والغفلة مركبه.
القلب المريض: وهو قلب له حياة وبه علة فله مادتان، تمده هذه مرة وهذه أخرى وهو لما غلب عليه منهما ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه: ما هو مادة حياته. وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر والعجب: ما هو مادة هلاكه.
القلب الأول: حي مخبت لين واعٍ، والثاني: يابس ميت، والثالث: مريض.
أنواع القلوب
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس فذلك قلب المنافق عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمى، وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق وهو ما غلب عليه منهما".
مـفسـدات القلــب
قال ابن القيم: "خُلقت النار لإذابة القلوب القاسية، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله، وإذا قسا القلب قحطت العين، وقسوة القلب من خمسة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: كثرة الخلطة، والتمنـي والتعلق بغير الله تعالى، والشبع والمنام".
آثار المعاصي على القلب
- تضعف القلب:
فهي تضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية فيأتي بالاستغفار وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها وهذا من أعظم الأمراض وأقربها من الهلاك.
- كثرة الذنوب تطبع على قلب صاحبها:
قال بعض السلف في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14] أنّه: "لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم".
- تذهب الحياء من القلب:
فمن عقوباتها: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه قال صلى الله عليه وسلم: «الحياء خير كله» [رواه مسلم].
- تضعف في القلب تعظيم الرب:
فمن عقوبات الذنوب أنّها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد شاء أم أبى ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه؟؟؟
- تضعف سير القلب إلى الله:
فالذنوب تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه.
- توقع الوحشة في القلب:
يجد المذنب نفسه مستوحشاً قد وقعت الوحشة بينه وبين ربّه وبين الخلق وبين نفسه وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة، وأمرّ العيش عيش المستوحشين الخائفين وأطيب العيش عيش المستأنسين.
- تمرض القلب:
حيث أنّها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، وقد أجمع السائرون إلى الله تعالى، أنّ القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها فيصير نفس دوائها ولا يصح له ذلك إلاّ بمخالفة الهوى فهواها مرضها وشفاؤها مخالفته.
- تعمي بصيرة القلب:
وتطمس نوره وتسد طرق العلم وتحجب عنه الهداية ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحل، وظلام المعصية يقوى حتى يصير القلب مثل الليل البهيم فكم من مهلك يسقط فيه وهو لا يبصره.
علامات صحة القلب
1- أنّه لا يفتر عن ذكر ربّه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره.
2- أنّه إذا فاته ورده وجد لفواته ألماً عظيماً أعظم من تألم الحريص بفوات ماله.
3- أنّه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همّه وغمّه واشتد عليه خروجه منها ووجد فيها راحته ونعيمه.
4- أن يكون همه هماً واحداً وأن يكون همه في الله تعالى.
5- أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعاً من أشد النّاس شحاً بماله.
6- أن لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله.
7- أنّه يشتاق لخدمة مولاه تعالى كما يشتاق الجائع إلى الطعام.
8- أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أكثر من اهتمامه بالعمل نفسه.
علاج القلب
- المعرفة بالله تعالى:
فمن عرف ربّه حق المعرفة رق قلبه ومن جهل ربّه قسا قلبه، قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل: ما أطيب فيها؟ قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكر الله وطاعته".
- تذكر الموت وما بعده وزيارة القبور والتفكر بأهلها:
فإنّ هذا من أنجع الأمور التي توقظ القلب من غفلته ونومه، قال صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هادم اللذات فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة من العيش إلاّ ضيقها عليه» [أخرجه ابن حبان].
قال صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنّها ترق القلب وتدمع العين وتذكر بالآخرة» [أخرجه الحاكم].
- تدبر آيات القرآن الكريم:
فإذا تدبر قلب المؤمن آيات الله واستشعر أنّ الله يخاطبه بها رأى من نفسه خيراً فخشع قلبه وفاضت عينه وسارت نفسه إلى ربّها.
- الإكثار من ذكر الله تعالى والاستغفار:
قال صلى الله عليه وسلم: «إنّه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة» [رواه مسلم].
وجاء رجل للحسن البصري فقال: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي؟ فقال: أذبه بالذكر.
ويقول ابن القيم: "صدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر".
- زيارة الصالحين ومخالطتهم والقرب منهم وصحبتهم:
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [سورة الكهف: 28].
فالصالحون يأخذون بيدك إن ضعفت ويذكرونك إذا نسيت ويرشدونك إذا جهلت وإن رأيتهم ذكروك بالله وأعانوك على طاعته.
- مجاهدة النفس ومحاسبتها:
فيجب على الإنسان أن يخلو مع نفسه ويحاسبها على كل فعل فعله في يومه ويرى أرضي الله بفعله أو أغضبه.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا ولسانا ذاكرا وقلبا خاشعا إنّه سميع مجيب.
سلسلة العلامتين
تعليق