إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[هجرة الرجل]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [هجرة الرجل]





    [هجرة الرجل]

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد

    ، روى بإسناده الصحيح عن عوف بن الحارث بن الطُفيل، وهو ابن أخي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأمها، أن عائشة حُدثت أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة:

    ((والله لتنتهين عائشة أو لأحجِّرنَّ عليها، فقالت: أهو قال هذا؟، قالوا: نعم، قالت عائشة: هو لله عليَّ نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا، فاستشفع ابنُ الزبير بالمهاجرين حين طالت هجرته إيَّاها، فقالت: (والله لا أشفِّع فيه أبدا ولا أتحنث إلى نذري، فلما طال ذلك على ابنِ الزبير كلَّم المِسوَر بن مَخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زُهرة، وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتُماني على عائشة، فإنها لا يَحلُّ لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المِسوَر وعبد الرحمن مشتملَين عليه بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة،

    فقالا: السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، أندخل؟، فقالت عائشة: ادخلوا! قالوا: كلنا يا أم المؤمنين؟، قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابنُ الزبير الحِجاب، فاعتنق عائشة وطفِقَ يناشدُها ويبكي، وطفِق المِسور وعبد الرحمن يناشدانها إلَّا ما كلمتِه وقبلتِ منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عمَّا قد علمتِ من الهُجرة فإنه لا يَحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال،

    قال: فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طَفقت تذكرهما نذرها وتبكي وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلَّمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تَبُل دموعها خمارها)).

    هذا الحديث فيه عبرة وبيان لِما كان عليه سلف هذه الأمَّة من قيامهم بواجب الشرع حتى كان يهجر المرء أخاه و قريبه كل ذلك في سبيل الله -عز وجل-،

    وهذا الحديث تحت باب هِجرة الرجل، يعني إهماله ومقاطعته وعدم مكالمته، كأنَّه يقول: هل تجوز هِجرة الرجل ومُقاطعته في الإسلام فيأتي بهذه القصَّة حيث فيها التصريح بأن السيدة عائشة -رضي الله عنها - فقاطعت عبد الله ابن الزُبير وهي تكون له خالته؛ لأن عائشة أختُها أسماء وعبد الله هو ابن أسماء التي كانت تحت الزُبير بن العوَّام.


    فيقول عوف ابن الحارث ابن الطُفيل وهو ابن أخي عائشة لأمِّه، الطُفيل الذي ينتمي إليه راوي هذا الحديث وهو عوف بن الحارث ابن الطفيل، وابن الطفيل هذا يكون ابن أخي عائشة لأمِّها، فعائشة أمُّها أم رمان وكانت هذه تحت رجل مات في الجاهلية اسمه الحارث أو عبد الله –اختلفوا في اسمه- وكان حليفا لأبي بكر الصدِّيق –رضي الله عنه -على قاعدتهم في التحالف والتحزُّب يومئذٍ، فمات هذا الرجل وكانت أم رمان زوجته، فتزوجها أبو بكر الصدِّيق بعد وفاة زوجها الأوَّل، فرُزِقَ أبو بكر الصدِّيق من أم رمان هذه السيدة عائشة.


    هذه القصّة يُحدِّث بها عوف ابن الحارث بن الطفيل الذي هو ابن أخي عائشة لأمِّها أم رمان، أن عائشة رضي الله عنها حُدِّثت يعني بلغها أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: (والله لتنتهينَّ عائشة أو لأحجرنَّ عليها) السيدة عائشة -رضي الله عنها- كانت كريمة جدًّا، وكانت هي وبعض ضرَّتها من نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتسابقان في الجود والكرم، ولكن كانت عائشة جودُها بالجملة، أمَّا ضرَّتها –وأظن زينب رضي الله عنها – فكان جودها على خلاف ذلك.

    ف عائشة رضي الله عنها كانت تجمع تجمع ثم توزِّع، وتلك ما يكون في يدها شيء إلَّا تُصرفه، وكذلك في حديث مضى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ نفسه، قَالَ: " مَا رَأَيْتُ امْرَأَتَيْنِ أَجْوَدَ مِنْ عَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ - أختها - وَجُودُهُمَا مُخْتَلِفٌ، أَمَّا عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَجْمَعُ الشَّيْءَ إِلَى الشَّيْءِ، حَتَّى إِذَا كَانَ اجْتَمَعَ عِنْدَهَا قَسَمَتْ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ فَكَانَتْ لا تُمْسِكُ شَيْئًا لِغَدٍ "

    وبناءًا على هذا الجود الذي كانت تجود به السيدة عائشة -رضي الله عنها- ذات يومٍ أعطت عطاءًا كريما سخيًّا –فيما يبدو أو باعته بثمنٍ بخس، الراوي يشكُّ هل كان ذلك عن طريق البيع أم العطاء، لكن كيف ما كان الأمر، عبد الله بن الزبير لم يتحمَّل هذا التصرُّف من خالته

    فحلَف بأنَّه إمَّا أن تنتهي من مثل هذه التصرُّفات الغير معقولة، أو لأحجِّرَنَّ عليها، والتحجير -كما لا يخفى عن الجميع - هو فرض الحجر على إنسان يُسيء التصرُّف في ملكه الخاص فيُعطَى منه الشيء القليل الذي يُقيته ويُعينه، وباقي المال يظل في يد وصي عليه، ولا يخفي حينئذٍ أن كلام عبد الله بن الزبير فيه إساءة للسيدة عائشة وفيه طعن فيها، وكأنها سفيهة لا تُحسِن التصرُّف في مالها؛

    لذلك كان جزاء عبد الله بن الزُبير من خالته السيدة عائشة -رضي الله عنها -أنها قالت: لما وصلها قوله: (لتنتهينَّ عائشة أو لأحجرنَّ عليها)، قالت عائشة: (أهو قال هذا؟، قالوا: نعم، قالت: هو لله عليَّ نذرٌ ألَّا أكلِّم ابن الزبير أبدا)، هذه هي المُقاطعة، حلفَت مادام إنه ابن أختها وهو أصغر منها سنًا قال هذا الكلام الثقيل في حقِّها، و الذي ما فيه تقدير لجلالة عِلمها وانتسابها إلى زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك من الخِصال المُشرِّفة حلفت ألَّا تُكلِّم ابن الزبير طيلة حياتها.

    ولا شك إن هذا اليمين صعب جدًّا، ولذلك جاء في بعض الروايات أنه لما اضطرها من زارها مثل المِسوَر وغيره -شفعاء دخلوا عليها كما جاء في القصَّة - فاضطَّروها إلى أن تحنث في نذرها، كانت تتمنَّى أن يكون نذرها ألطف من أنَّها لا تكلمه أبد الحياة، فحلفت على كل حال هذا اليمين وهو نذر،

    فاستشفع بن الزبير بالمهاجرين حين طالت هجرته إيَّاه، عبد الله بن الزبير لم يتحمَّل، ضاق ذرعا، أصابه قريب ممَّا أصاب الثلاثة الذين خُلِّفوا، (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ)] فابن الزبير كأنَّه أصابه شيء من هذا القبيل فتضجَّر من مقاطعة خالته إيَّاه، وأدخل شفعاء ووسطاء بينه وبينها من أجل أن يكلموها حتى تقطع الهجرة له وتكلِّمه، فكانت هي تأبى وتقول: (والله لا أشفِّع فيه أحدا أبدا، ولا أتحنَّث إلى نذري)

    يعني ما احنث في نذري وفي يميني، فلا أكلمه أبدا ولا أقبل فيه شفاعة الشافعين، فلمَّا وصل ذلك ابن الزبير كلَّم المِسوَر بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وهما بن بني زُهرة يعني من القبيلة التي تنتمي إليها السيدة عائشة -رضي الله عنها- من طريق أبيها فهم أقارب اتوسَّطوا لحل المشكلة، فقال لهما ابن الزبير –قال للوسيطين المسور وعبد الرحمن-: (أنشدكما بالله –أسألكما بالله -لما أدخلتماني على عائشة فإنَّها لا يحلُّ لها أن تنذر قطيعتي) يعني يترجَّاهم ويقسم عليهم بالله -عز وجل- إنهم يكونوا واسطة وطريقة ووسيلة يدخِّلوه على السيدة عائشة بدون علم منها، فماذا فعلا؟؟


    فأقبل به المِسوَر وعبد الرحمن مُشتملَين عليه بأرديتهما – حطُّوه –الظاهر – بينهما ولفُّوه في مثل عباءة أو مثل بطانية بحيث إنه ما ينتبه أحد أن هناك شخص ثالث بحيث إنه لا أحد يعلم، فجاءوا إلى دار السيدة عائشة واستأذنوا في الدخول بقولهما: السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، (أندخل؟)، هذا هو أدب الإسلام إنّه ما يجوز الدخول إلَّا بعد الاستئذان وبعد السلام، فكان جوابها: (ادخلوا)

    فقالوا يستعملوا معها السياسة قالوا: (كلنا يا أم المؤمنين؟)، قالت: (نعم ادخلوا كلكم)، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابنُ الزبير الحِجاب، ما معنى دخل ابن الزبير الحجاب؟؟ يعني لمَّا النَّاس الأجانب يستأذنوا على أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- الذين هم ليسوا بمحارم لها فبتكون قاعدة وراء حجاب –ستارة- هي تكلّمهم وهم يسمعوا صوتها ولا يروا [شخصها]،

    فلمَّا اتخذوا هذه الحيلة عليها، فلمّا دخلوا وقفوا وراء حجاب وهو دخل الحجاب وهجم على خالته وقبّلها وعانقها معانقة –طبعا – ابن الأخت فاعتنق عائشة وطفِقَ يناشدُها ويبكي، وطفِق المِسور وعبد الرحمن يناشدانها إلَّا ما كلمتِه وقبلتِ منه، يعني طلبوا بقطع المقاطعة ويقولان -هنا الشاهد -: (إن النبي صلَّى الله عليه وسلم نهى عما قد علمتِ من الهُجرة فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال)

    كأنهما يقولان لها اقبلي طلب ابن أختك عبد الله واقطعي مقاطعتك إيَّاه لأنِّك تعرفي ما بنعلِّمك إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، وأنت قاطعتي ثلاثة، وثلاثين، وأكثر من ذلك، فاقطعي هذه المقاطعة فكانت تُجيبهم بعد أن أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما نذرها وتبكي وتقول: (إنِّي نذرت والنذر شديد) - يعني يصعب عليَّ أن أحنث في نذري فأنا حلفت ألَّا أكلِّم ابن الزبير أبدا نذر لله -عز وجل -والله أثني على الذين ينذرون بالخير فقال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) [كأن السيدة عائشة تقول جواب

    احتجاج المسفر وعبد الرحمن عليها لأن الرسول قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) فانت بتخالفي الشريعة هنا فيكون جوابها إنه أنا ما كانت مقاطعتي لابن الزبير من باب التنفيس عن النفس والتشفِّي الذي يسمح الشارع فيه بثلاث ليالي فقط، يعني واحد يزعل من الثاني لسبب وقد يكون من أتفه الأسباب فيقاطعه فالشارع ربنا -عز وجل - الحكيم الرؤوف بعباده الرحيم يراعي طبائع البشر فيسمح بالهجر ثلاث أيام فقط أما بعد الثلاث أيام يحرُم هذا الهجر.


    فالسيدة عائشة لمَّا احتجُّوا عليها بهذا الحديث فقالت: أنا هجري إياه تأديب له؛ لأنه لم يحترم خالته ولم يحترم العلاقة التي بينها وبين الرسول عليه السلام باعتبارها زوج له، فأنا قاطعته هذه المقاطعة الطويلة وحلفت ألَّا أكلمه أبدا تأديبا له، فتمّ المناقشة بين السيدة عائشة والوسيطين حتى خضعت لطلبهما وكلَّمت ابن الزبير ابن أختها أسماء،

    فهنا بطبيعة الحال حنثت في نذرها، حينئذٍ يجب عليها أن تُكفِّر عن حنثها، وفي سبيل هذا التكفير ماذا فعلت؟؟ أعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، فلم تعتق رقبة واحدة، بل أربعين شخص كانوا عبيد أرقَّاء تقرَّبت إلى الله -تبارك وتعالى- في عتقهم وتحرير رقابهم تكفيرًا لنذرها الذي كان ألَّا تُكلِّم ابن الزبير وكانت تذكر –بعد هذه القصَّة - نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبُل دموعها خمارها) وفي رواية للبخاري في الصحيح بأنها كانت تقول وتود أن يكون نذرها من نوع آخر غير هذا النذر الَّا تكلِّم ابن الزبير أبدا، لأنه إذا كان النذر مثلا ألَّا تكلمه اسبوعا، أسبوعين ممكن، أما أبد الحياة فهذا صعب، وبهذا ننهي ما حكم هجرة المسلم ومقاطعته.
    والحمد لله رب العالمين
يعمل...
X