هل تجوز مخاطبة الميت مع اعتقاد أنه لا يسمع؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله --- اما بعد
السؤال: ثبت عن بعض الصحابة أنهم خاطبوا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته مثل قول أبي بكر: طبت حياً وميتاً يا رسول الله، وقول عبد الله بن عمر، وقول فاطمة: أبتاه أجاب ربّاً دعاه ..
فهل يصح أن يخاطَب الرسول بقول بعض الخطباء: فداك أبي وأمي يا رسول الله بصيغة النداء مع عدم الاعتقاد أنه يسمع يعني الرسول؟
بلا شك ان جميع الروايات المذكورة انفا هي ثابتة، ومثل هذا النداء من حيث الأسلوب العربي سائغ وجائز، فالعرب ينادون الأبطال مثلاً والبلاد وإلى آخره والليل والنهار والشمس والقمر إلى آخره ولا يترتب من وراء ذلك شيء، لكن يختلف الأمر اليوم عن ذاك الوقت .
ويختلف عند العلماء فضلاً عن عامتهم،
ولا يخفاكم أن هذا من الإشراك بالله عز وجل في دعائه، فحينما نتساهل في مثل هذا النداء الذي كان سابقاً قائماً، لكن سابقاً كانت العقيدة عقيدة التوحيد سالمة من أوضار وأوساخ الشرك الأصغر فضلاً عن الشرك الأكبر، وليس الأمر اليوم كذلك؛ لهذا لا يحسن للخطيب أن يفتح باب الإشكال هذا على عامة الناس لبعدهم عن فهمهم للتوحيد الصحيح.
جاء في "صحيح البخاري" من حديث علي موقوفاً عليه رضي الله عنه قال: «كلموا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولهُ» فنحن إذا نادينا وعقيدتنا سالمة، وننادي كما نادى أبو بكر وغيره من الصحابة, لكن الذين حولنا ما يفهمون أن هذا النداء ليس من باب الاستغاثة وليس من باب الاستعانة، فحينئذٍ ينبغي أن ندع هذا وأن نعالج عقيدة الناس حتى تستقيم على الكتاب والسنة, بعد ذلك يمكن استعمال هذا الأمر الذي أحسن أحوالهِ أنه يجوز، ولكن ليس كل ما يجوز؛ يجوز فعله في كل مناسبة.
هل الأموات على علمٍ بحال الأحياء؟
[روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال]:
«تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله، وتعرض على الأنبياء، وعلى الآباء والأمهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا وإشراقا، فاتقوا الله، ولا تؤذوا أمواتكم».(موضوع).
وفى الحديث الاخر وهو موضوغ ايضا
" إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات .. "
الجمع بين قوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} و {إنك لا تسمع الموتى} وبين قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا»
وهو فى صحيح " مسلم ": «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا»قال علماؤنا إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمةً للسؤال.
والتخصيص المشار إليه أمر لا بد منه للجمع المذكور، ولكن ينبغي أن يعلم أن ذلك كذلك ولو لم يتعارض ظاهره بالآيتين المذكورتين فإن الحديث يدل أنه خاص بأول الوضع فإن لفظه: " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان ... " متفق عليه.
واما عن حديث مناداة الرسول لكفار قريش فى القليب
قال قتادة: «أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيراً، ونقمة، وحسرة وندماًً».
ويظهر أن مناداة الكفار بعد هلاكهم سنة قديمة من سنن الأنبياء فقد قال تعالى في قوم صالح عليه السلام: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين. فتولى عنهم وقال: يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين
قال ابن كثير
هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه وتمردهم على الله وإبائهم الحق وإعراضهم عن الهدى، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعاً وتوبيخاً وهم يسمعون
اما كيف سلّم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على القبور فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... » مع أن الموتى لا يسمعون؟
وهو من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون "
وهذا الأمر تعبدي محض. والله أعلم.
اذن لا يستدل بحديث أهل القليب على أن الموتى يسمعون
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلاَثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّى قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِى رَبِّى حَقًّا». فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا، قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا».ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ.
اماقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»]:
أي لأن الله أحياهم له كما قال قتادة في «صحيح البخاري» , لا لأن الموتى يسمعون كما يظن البعض. كيف والله عز وجل يقول فيهم {إن تدعوهم لا يسمعوادعاءكم, ولو سمعوا ما استجابوا لكم}. فمن أكبر الضلال, استدلال بعض الجهال بالحديث على أن الموتى يسمعون, ثم الاستدلال بسماعهم على جواز الاستعانه بهم. والآية صريحة في نفي الأمرين معاً. فهي قضية خاصة لا عموم لها, والله المستعان.
والحمد لله رب العالمين