قصة جمع القرآن وسبب كتب عثمان المصاحف وإحراقه ما سواها
بسم الله
1-كان القرآن في مدة النبي صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وفي لخاف وظرر وفي خزف وغير ذلك : اللخاف حجارة بيض رقاق واحدتها لخفة والظرر حجر له حد كحد السكين والجمع ظرار
2- فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة في زمن الصديق رضي الله عنه ، وقتل منهم في ذلك اليوم فيما قيل سبعمائة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراء كأبي وابن مسعود وزيد 3-فندبا زيد بن ثابت إلى ذلك فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد رضي الله عنه
فقال زيد: هو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إلى آخرها. 5-فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن ثم أبي بكر حتى توفاه الله ثم عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر.
3-فإن قيل : فما وجه جمع عثمان الناس على مصحفه وقد سبقه أبو بكر إلى ذلك وفرغ منه قيل له : إن عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك على ما يأتي وإنما فعل ذلك عثمان لأن الناس اختلفوا في القراءات بسبب تفرق الصحابة في البلدان واشتد الأمر في ذلك وعظم اختلافهم وتشبثهم
4-ووقع بين أهل الشام والعراق ماذكره حذيفة رضي الله عنه. وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية كل طائفة بما روي لها فاختلفوا وتنازعوا وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا فأشفق حذيفة مما رأى منهم فلما قدم حذيفة المدينة -فيما ذكر البخاري والترمذي- دخل إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته فقال : أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك قال : فيما إذا ؟ قال : في كتاب الله إني حضرة هذه الغزوة ، وجمعت ناسا من العراق والشام والحجاز فوصف له ما تقدم وقال : إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلف اليهود والنصارى.
5-قلت : وهذا أدل دليل على بطلان من قال : إن المراد بالأحرف السبعة قراءات القراء السبعة لأن الحق لا يختلف فيه
6-عن علي بن أبي طالب أن عثمان قال : ما ترون في المصاحف فإن الناس قد اختلفوا في القراءة حتى إن الرجل ليقول قراءتي خير من قراءتك وقراءتي أفضل من قرائتك وهذا شبيه بالكفر قلنا : ما الرأي عندك يا أمير المؤمنين قال : الرأي عندي ؟ أن يجتمع الناس على قراءة فإنكم إذا اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافا قلنا :
الرأي رأيك يا أمير المؤمنين فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فأكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق وكان هذا من عثمان رضي الله عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار وجلة أهل الإسلام وشاورهم في ذلك فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت في القراءات المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم واطراح ما سواها واستصوبوا رأيه وكان رأيا سديدا موفقا ؛ رحمة الله عليه وعليهم أجمعين
7- وأخبرني عبيد الله بن عبدالله أن عبدالله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف وقال : يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل ، والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر! يريد زيد بن ثابت ولذلك قال عبدالله ابن مسعود : يا أهل العراق اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها فإن الله عز وجل يقول :
{ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فالقوا الله بالمصاحف ، الصحيحة
: ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان على عبدالله بن مسعود في جمع القرآن وعبدالله أفضل من زيد وأقدم في الإسلام وأكثر سوابق وأعظم فضائل إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبدالله إذ وعاه كله ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي والذي حفظ منه عبدالله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم نيف وسبعون سورة ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار ولاختيار ولا ينبغي أن يظن جاهل أن في هذا طعنا على عبدالله بن مسعود لأن زيدا إذا كان أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا لتقدمه عليه لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنها كان زيد أحفظ منهما للقرآن وليس هو خيرا منهما ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب
8-: وما بدا من عبدالله بن مسعود من نكير ذلك فشيء نتجه الغضب ولا يعمل به ولا يؤخذ به ولا يشك في أنه رضي الله عنه قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي على موافقتهم وترك الخلاف لهم فالشائع الذائع المتعالم عند أهل الرواية والنقل أن عبدالله بن مسعود تعلم بقية القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال بعض الأئمة : مات عبدالله بن مسعود قبل أن يختم القرآن.
9-عن أنس بن مالك قال : كانوا يختلفون في الآية فيقولون أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلان بن فلان فعسى أن يكون من المدينة على ثلاث ليال فيرسل إليه فيجاء به فيقال كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا فيكتبون كما يقال قال ابن شهاب : واختلفوا يومئذ في التابوت فقال زيد : التابوه وقال ابن الزبير وسعيد بن العاص التابوت فرفع اعترافهم إلى عثمان فقال اكتبوه بالتاء ؛ فإنه نزل بلسان قريش أخرجه البخاري والترمذي
10- قرأه زيد بالهاء والقرشيون بالتاء فأثبتوا بالتاء وكتبت المصاحف على ما هو عليه غابر الدهر ونسخ منها عثمان نسخا قال غيره : قيل سبعة وقيل أربعة وهو الأكثر ووجه بها إلى الآفاق فوجه للعراق والشام ومصر بأمهات فاتخذها قراء الأمصار معتد اختياراتهم ولم يخالف أحد منهم مصحفه على النحو الذي بلغه وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم وينقصها بعضهم فذلك لأن كلا منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه إذ قد كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ ولم يكتبها في بعض إشعارا بأن كل ذلك صحيح وأن القراءة بكل منها جائزة قال ابن عطية : ثم إن عثمان أمر بما سواها من المصاحف أن تحرق أو تخرق تروى منقوطة وتروى بالخاء على معنى ثم تدفن ورواية منقوطة أحسن.
11-وذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد عن سويد بن غفلة قال : سمعت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول : يا معشر الناس اتقوا الله وإياكم والغلو في عثمان وقولكم حراق المصاحف فوالله ما حرقها إلا عن ملا منا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
وعن عمير بن سعيد قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان قال أبو الحسن بن بطال : وفي أمر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى وأن ذلك إكرام لها وصيانة عن الوطء بالأقدام وطرحها في ضياع من الأرض روى معمر عن ابن طاوس عن أبيه : أنه كان يحرق إذا اجتمعت عنده الرسائل فيها بسم الله الرحمن الرحيم وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة وكره إبراهيم أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله تعالى ؛ وقول من حرقها أولى بالصواب وقد فعله عثمان وقد قال القاضي أبو بكر لسان الأمة : جائز للإمام تحريق الصحف التي فيها القرآن إذا أداه الاجتهاد إلى ذلك.
والحمد لله رب العالمين