ام المؤمنين المؤمنين عائشة
رضى الله عنها وارضاها
الحمد لله رب العالمين
أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أزواجه إليه، المبرأة من فوق سبع سموات رضي الله عنها، وعن أبيها.
وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، تكنى عائشة بأم عبد الله، قيل كناها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن أختها عبد الله بن الزبير،
وقيل إنها أسقطت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سقطا فسماه عبد الله، ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، ولم ينزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها، ولم يكن في أزواجه أحب إليه منها
-، تزوجها بمكة بعد وفاة خديجة، وقد أتاه الملك بها في المنام في سرقة من حريرة، مرتين أو ثلاثا، فيقول: هذه زوجتك.
قال: " فأكشف عنك فإذا هي أنت، فأقول، إن يكن هذا من عند الله يمضه،
فخطبها من أبيها فقال: يا رسول الله أو تحل لك ؟ قال: نعم ! قال: أو لست أخوك ؟ قال: بلى في الاسلام، وهي لي حلال
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضيت عنده ".
- ، وكان ذلك قبل الهجرة بسنتين، وقيل بسنة ونصف، وقيل بثلاث سنين، وكان عمرها إذ ذاك ست سنين ثم دخل بها وهي بنت تسع سنين بعد بدر، في شوال من سنة ثنتين من الهجرة فأحبها.
-ولما تكلم فيها أهل الافك بالزور والبهتان، غار الله غار الله غار الله لها
فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تتلى على تعاقب الزمان.
وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها، واختلفوا في بقية أمهات المؤمنين، هل يكفر من قذفهن أم لا ؟
على قولين، وأصحهما أنه يكفر، لان المقذوفة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى إنما غضب لها لانها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي وغيرها منهن سواء.
-ومن خصائصها رضي الله عنها
أنها كان لها في القسم يومان يومها ويوم سودة حين وهبتها ذلك تقربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه مات في يومها وفي بيتها وبين سحرها ونحرها، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا، وأول ساعة من الآخرة، ودفن في بيتها.
-وقد قال الامام أحمد:
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: إنه ليهون علي أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة
وهذا في غاية ما يكون من المحبة العظيمة أنه يرتاح لانه رأى بياض كفها أمامه في الجنة.
-ومن خصائصها أنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي أعلم النساء على الاطلاق.
قال الزهري:
لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواجه، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
وقال عطاء : كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة.
وقال عروة: ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة، ولم ترو امرأة ولا رجل غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاحاديث بقدر روايتها رضي الله عنها،
وقال أبو موسى الاشعري ما أشكل علينا أصحاب محمد حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما
، وقال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب محمد الاكابر يسألونها عن الفرائض.
-ثم لم يكن في النساء أعلم من تلميذاتها عمرة بنت عبد الرحمن، وحفصة بنت سيرين، وعائشة بنت طلحة.
وقد تفردت أم المؤمنين عائشة بمسائل عن الصحابة لم توجد إلا عندها، وانفردت باختيارات أيضا وردت أخبار بخلافها بنوع من التأويل.وقد جمع ذلك غير واحد من الائمة،
- فمن ذلك قال الشعبي: كان مسروق إذا حدث عن عائشة قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله المبرأة من فوق سبع سموات.
وثبت في صحيح البخاري من عمرو بن العاص.قال: قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟قال:
عائشة، قلت: ومن الرجال ؟ قال: أبوها
-وفي صحيح البخاري أيضا عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "
-وقد استدل كثير من العلماء ممن ذهب إلى تفضيل عائشة على خديجة بهذا الحديث،
قال: فإنه دخل فيه سائر النساء الثلاث المذكورات وغيرهن،
ويعضد ذلك أيضا الحديث الذي رواه البخاري: عن عائشة.
قالت: " استأذنت هالة بنت خويلد - أخت خديجة - على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك،
فقال:
اللهم هالة، قالت عائشة: فغرت وقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر الاول، قد أبدلك الله خيرا منها ؟ "
هكذا رواه البخاري، فأما ما يروى فيه من الزيادة: " والله ما أبدلني خيرا منها " فليس يصح سندها.
-وروى البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما:
" يا عائش هذا جبرئيل يقرئك السلام،
فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى مالا أرى "
-وثبت في صحيح البخاري أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فاجتمع أزواجه إلى أم سلمة
وقلن لها: قولي له يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان،
فقالت أم سلمة: فلما دخل علي قلت له ذلك فأعرض عني، ثم قلن لها ذلك فقالت له فأعرض عنها، ثم لما دار إليها قالت له فقال:
يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي في بيت وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها "
وذكر أنهن بعثن فاطمة ابنته إليه فقالت:
" إن نساءك ينشدونك العدل في ابنة أبي بكر بن أبي قحافة،
فقال: يا بنية ألا تحبين من أحب ؟
قالت: قلت بلى ! قال: فأحبي هذه "
.ثم بعثن زينب بنت جحش فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة فتكلمت زينب ونالت من عائشة، فانتصرت عائشة منها وكلمتها حتى أفحمتها، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عائشة ويقول:
" إنها ابنة أبي بكر ".
-وذكرنا أن عمارا لما جاء يستصرخ الناس ويستنفرهم إلى قتال طلحة والزبير أيام الجمل، صعد هو والحسن بن علي على منبر الكوفة، فسمع عمار رجلا ينال من عائشة فقال له:
اسكت مقبوحا منبوذا، والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة، ولكن الله ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أو إياها (فتح الباري).
وقال الامام أحمد:
عن ذكوان - حاجب عائشة - أنه جاء عبد الله بن عباس يستأذن على عائشة فجئت - وعند رأسها عبد الله ابن أخيها عبد الرحمن –
فقلت: هذا ابن عباس يستأذن، فأكب عليها ابن أخيها عبد الله
فقال: هذا عبد الله بن عباس يستأذن - وهي تموت - فقالت: دعني من ابن عباس،
فقال: يا أماه ! ! إن ابن عباس من صالح بنيك يسلم عليك ويودعك،
فقالت: ائذن له إن شئت، قال فأدخلته، فلما جلس قال: أبشري فقالت: بماذا ؟ فقال: ما بينك وبين أن تلقي محمدا والاحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، وكنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا، وسقطت قلادتك ليلة الابواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم،
فكان ذلك في سببك، وما أنزل الله من الرخصة لهذه الامة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات، جاء بها الروح الامين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار،
فقالت: دعني منك يا بن عباس، والذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا.
والاحاديث في فضائلها ومناقبها كثيرة جدا.
-وقد كانت وفاتها في هذا العام سنة ثمان وخمسين وقيل قبله بسنة، وقيل بعده بسنة، والمشهور في رمضان منه وقيل في شوال، والاشهر ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان،
- وأوصت أن تدفن بالبقيع ليلا، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها خمسة، وهم عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام، من أختها أسماء بنت أبي بكر، والقاسم وعبد الله ابنا أخيها محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر،
وكان عمرها يومئذ سبعا وستين سنة، لانه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعمرها ثمان عشرة سنة، وكان عمرها عام الهجرة
ثمان سنين أو تسع سنين،
فالله أعلم
ورضي الله تعالى عن أبيها وعن الصحابة أجمعين.
والحمد لله رب العالمين