لا تلقى بالا لمثل تلك رؤىً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
: نذكِّر إخواننا جميعاً بأننا لا ننصحهم أن يهتموا بالرؤى إلا إذا كانت رؤىً يشعر الرائي لها بأنها من القسم الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله سلم في الحديث الصحيح:
( الرؤى ثلاثة: فرؤيا من الرحمن، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا من تحديث النفس )
فإذا كانت الرؤى ثلاثة أقسام، فواحدة إذاً من الثلاث تكون رؤيا رحمانية،
واثنتان منها لا وزن لهما؛ لأنها قد تكون من تلاعب الشيطان، أو في أحسن الأحوال من تحديث النفس،
أي: أن الإنسان يفكر في أمر يهمه من خير أو شر، فيتصوَّر شيئاً في المنام يتعلق بما يفكر فيه أثناء النهار، فهذا إذا رآه لا قيمة له، كذلك إذا كان من النوع الذي هو من تلاعب الشيطان بعدوه الإنسان.
فحينما تكون الرؤيا فيها أنه رأى عالماً حليقاً، بمعنى أنه رأى عالماً يعصي الله عز وجل، فهذه الرؤيا ما دام أن فيها رؤية عالم حليق، فهذا العالم المرئي في المنام بأنه حليق:
- إما أن يكون واقعه كذلك في اليقظة. - أو أن يكون ليس كذلك.
فحينئذٍ إن كان العالم الذي رؤي حليقاً ليس حليقاً في واقع حياته، فهذه رؤيا تبشر بشر، وتنذر به، وإن كان حليقاً في اليقظة وليس في المنام فهو عاصٍ، فلا تبشر الرؤيا بخير.
وكلا الأمرين ما داما يلتقيان في رؤية إنسان يتلبس بمعصية، لكن رؤيا عن رؤيا تختلف،
وإذا كانت الرؤيا تمثل حياة حقيقية، بمعنى أنه حليق دائماً فهي شر، وإن لم يكن كذلك؛ لكنه في المنام رُئي حليقاً فهي شر، فحينئذٍ ننصح في مثل هذه المناسبة بالأمر الآتي:
أن يتأدب بآداب الرائي للمنام، فقد جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام:
( إن مَن رأى رؤيا تسره فليحدِّث بها عالماً ناصحاً، وإن رأى رؤيا تحزنه -توقظه وظواهرها تدل على الشر- فلا يحدِّث بها أحداً، وليتفل عن يساره ثلاثاً، فإنها لن تضره )
وخلاصته: أن الرؤيا التي ظاهرها شر: أولاً: يتفل صحابها عن يساره ثلاثاً فإنها لن تضره.
وثانياً: لا يقصها على أحد.
الاعتداد بالرؤيا وتنزيلها على الواقع
اذن لا تعتدُّوا بالرؤى؛ لأن الذين يؤوِّلوا الرؤى عليهم أن يعلموا:
أولاً: أنهم بحاجة إلى أن يَفْصِلوا هذه الرؤى عن القسمين الآخرَين.
ثانياً: أن يحسنوا التأويل، مع أن تأويل المنامات ليس علماً، وإنما هو هبة من الله تبارك وتعالى.
لذلك فأنا أقول عما شاهدتُه في غيري، ثم ما وقع لي بنفسي:
علم تعبير الرؤيا
لما كنت أطلب العلم التقليدي وهو المذهب الحنفي من بعض المشايخ، كنا نصلي الصبح ونقرأ درساً في الفقه الحنفي إلى الضحوة، وذات يوم أتت امرأة عجوز، فدخلت المسجد، وجلسَتْ بجانب الشيخ، فسارَّته بكلام لا نسمعه نحن لكن نسمع جواب الشيخ ونفهم أنها تقص عليه رؤيا، فسبحان الله! كان جواب الشيخ كأنه مثل ما يقال اليوم: (روتين)، أي: لا يتغير، كلما جاءت امرأة تسره بشيء نفهم أنها تقص عليه رؤيا، ويكون جواب الشيخ على وتيرة واحدة.
بقي في ذهني الخلاصة التالية، وهي قوله: يبدو أن المرحوم بحاجة إلى صدقة، فتصدقي عنه، أو بحاجة إلى قراءة قرآن، فاقرئي عنه، ونحو هذا تكون الأجوبة.
هذا ما شاهدته عن بعض المشايخ، وأنا نفسي كنت شغوفاً بالعلم منذ أن تخرجت من المدرسة الابتدائية، فقد سمعت بكتاب:
تعطير الأنام في تفسير المنام ، للشيخ عبد الغني النابلسي ، في مجلدين، وعلى الهامش تفسير ابن سيرين ، و محمد بن سيرين رجل فاضل من كبار علماء التابعين والمكثرين من رواية الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
، فكل واحد من الإخوان إذا رأى رؤيا جاءني لأعبرها له -وأنا ما عندي علم فطري كما كان عليه ابن سيرين - فكنت أرجع إلى كتابه، أرجع إلى تعطير الأنام للنابلسي .
فمثلاً: إذا رأى الرائي مطراً غزيراً نازلاً، فإني أرجع إلى كلمة مطر، وهنا يَتَيْهُ الإنسان من كثرة التفاصيل، فما يظهر لي شيء، وكثيراً ما تكرر معي هذا، فتركتُ الكتاب حتى عشش عليه العنكبوت، وما استفدتُ منه شيئاً.
وفيما بعد لما تنوَّر قلبي بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، علمتُ أن هذا العلم ليس علماً يُكْتَسَب كأكثر العلوم، وإنما هو هبة من الله تبارك وتعالى.
لذلك أقول:
من رأى رؤيا فليضع في باله أنها واحدة من ثلاث، تُرَى أي الثلاث هي؟! لا يعرف.
وعندما يريد أن يقصها فإني أقول:
إذا كانت خيراً فليقصها على عالم ناصح كما ذكرنا، وإلا فلا يقصها على أحد؛ لأنها كما جاء في الحديث الصحيح: ( الرؤيا على رِجْل طائرٍ، فإذا فُسِّرَت وَقَعَت )
تشبيه خطير جداً، فلو رأى إنسانٌ رؤيا ظاهرها جيد، لكن المؤوِّلَ للمنام أوَّلَها وفسَّرها على نقيض ظاهرها، فستقع، وهذه سنة من سنن الله عز وجل الغيبية التي لا تدخل في السنن الكونية الطبيعية التي تخضع للمادة، فإذا فُسِّرَت وَقَعَت.
لذلك لا ينبغي لإخواننا الحريصين على الانتفاع بالسنة إذا رأوا رؤيا، ولو كانت حسنةَ الظاهر، أن يقصوها إلا على عالم ناصح، وإذا كانت على العكس، فليستعذ بالله، ولا يقصها على أحد.
أما إذا تكاثرت الرؤى بهذه الصورة، فهل يجوز أن يكون الشيطان كما يلعب بالناس في اليقظة يلعب بهم في المنام؟! نعم يجوز. فإذاً: لا نلقي بالاً لمثل هذه الرؤى إطلاقاً.
والحمد لله ربالعالمين