-عورة المرأة المسلمة على المسلمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،
أما بعد،
فقد بدا لى أن أذكر فان الذكرى إن شاء الله تنفع المؤمنين بأمرٍ أظن أن كثير من المسلمين هم منه من الغافلين ولا يخفى على أحد أن تذكير الناس بما هم عنه غافلين وله جاهلون أولى من أن نطرق مسامعهم بأمور طالما سمعوها من الخطباء والمدرسين والوعاظ والإذاعات ونحو ذلك من الوسائل التى يسرها الله عز وجل في هذا العصر الحاضر ولما كان من قوله عليه الصلاة والسلام
" خير الناس أنفعهم للناس "
فلا شك أننا نأخذ منه أن نفع الناس إنما يكون بتعليمهم بما هم به جاهلون أو بتذكيرهم بما هم عنه غافلون .
ومن هذا القبيل أن نعرف ما هى عورة المرأة المسلمة بالنسبة للمرأة المسلمة علما أنه مذكور في بعض الكتب الفقهية أن عورة المرأة أمام المرأة المسلمة هى كعورة الرجل مع الرجل أى من السرة الى الركبة ، ومعنى هذا أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمام أختها المسلمة وقسمها الأعلى أى نصف بدنها الأعلى عارى ومكشوف، وكذلك ما تحت ركبتيها، والذى أريد أن أذكركم به هو أن نعلم قبل كل شيئ أن هذا الحكم ليس له دليل في كتاب الله ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشيئ آخر أن كتاب الله يدل على خلاف هذا التوسع في تحديد عورة المرأة مع أختها المسلمة .
وعلماء التفسير يذكرون أن هناك بالنسبة للمرأة زينتين، زينة ظاهرة وزينة باطنة وأخذوا هذا من آيتين كريمتين، الآية الأولى قوله تبارك تعالى : " ....وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا...." (31) النور، ولا يبدين زينتهن للرجال الأجانب إلا ما ظهر منها، الزينة الظاهرة لها علاقة بالأجانب، والزينة الظاهرة كما ثبت في غير ما حديث مرفوع الى النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إنما هو بالنسبة للمرأة، الوجه والكفان فقط، وما سوى ذلك فهى زينة باطنة وهى التى لا يجوز لها أن تظهر شيئ منها أمام الغرباء عنها.
أما الزينة الباطنة فهى مما أباح الله عز وجل أن تظهرها لمحارمها كلهم ولنساء المسلمين في الآية المعروفة إذ قال ربنا عز وجل : " وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ........ (31) النور
يسرد الله ربنا تتمة المحارم إلى ان وصل إلى نسائهن وقوله تبارك وتعالى: أو نسائهن فيه دلالة صريحة على أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر من زينتها الباطنة ما تظهر لأبيها ولأخيها وأختها وغير ذلك من محارم وكذلك عورة المرأة مع المرأة المسلمة محدودة بهذه الزينة الباطنة ولنفهم ما هى الزينة الباطنة يجب أن نرجع إلى ما كان عليه النساء في الجاهلية وقبل دخولهن في الإسلام وحينما آمن بالله ورسوله وتبنوا الإسلام دينا جاءت هذه الأحكام لتبين لهذه النسوة ما يجوز لهن بالنسبة للأجانب وهو الوجه والكفين فقط وهى الزينة الظاهرة وما يجوز لهن بالنسبة للمحارم وهى الزينة الباطنة .
فما هى الزينة الباطنة ؟
هنا يجب أن نقف قليلا عند تفسير العلماء لقول الله تبارك وتعالى " وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ........ (31) النور ، ما المقصود بهذه الكلمة لا يبدين زينتهن ، هل المقصود الزينة نفسها أو نوع الزينة أي ما معنى الآية هل يبدين مواضع الزينة ولو لم يكن عليها شيئ من الزينة أو المقصود لا يبدين تلك المواضع وعليها الزينة ، فلا شك أن القول الصحيح الذى اعتمده علماء التفسير أن المعنى لا يبدين مواضع الزينة وليس المقصود لا يبدين الزينة ذلك لأن المرأة إذا أخذت عقداً تضعه على صدرها، في يدها فقد أبدت الزينة هل هذا هو ما نهيت عنه؟؟ الجواب لا، وإنما نهيت عن ابداء الزينة وهى في موضعها ، إذن المقصود من الآية ولا يبدين زينتهن أى مواضع الزينة إلا لهؤلاء المحارم ثم للنساء المسلمات كما ذكرنا.
ومعنى هذا أننا نستحضر في أذهاننا أن هناك مواطن لم يكن حتى هذه الساعة من عادة النساء أن يضعن زينة عليها فمثلاً : هل في الفخذ زينة؟؟ الجواب لا، هل في الظهر زينة؟ الجواب لا، هل على الثديين زينة؟؟ الجواب لا، هل تحت الإبط زينة؟ الجواب لا، إذن ربنا عز وجل في هذه الآية إنما أباح للنساء أن يظهرن للمحارم مواضع الزينة من أبدانهن ليس إلا ولا أكثر من ذلك أبداً.
ولكى نتأكد من ذلك يجب أن نستحضر قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، "المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها إستشرفها الشيطان"
يعنى تطلع إليها وأوحى إليها مما يوحى لإفتانها بمثل ما لو قال الشخص لآخر أهلا وسهلا ما أجملكِ ، ما أحسنكِ ، ما أحلاكِ وهكذا ..، إذن هذه المرأة التى هى كلها عورة إلا ما استثنى الشارع ، فقد عرفنا من الزينة الظاهرة أن الشارع أكثر ما استثنى بالنسبة لزينتها الظاهرة أمام الأجانب إنما هو الوجه والكفين فقط ، وبالنسبة للمحارم إنما استثنى مواطن الزينة ، فما هى مواطن الزينة التى كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك محصور في مواضع معروفة ، أول ذلك مثلا الأساور في المعصم ثانى ذلك الدُملج الذى كان يوضع في عضد المرأة، ثالثًا الطُوق (السلسلة) توضع على الرقبة وعلى شيء من الصدر، أخيرًا الخَلخَال الذي أشار ربنا عز وجل إليه وبين أنه من الزينة الباطنة حين قال:
((وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ))،
فكانت المرأة التي تنحرف ولو بعض الشيء عن الحجاب الشرعي والآداب الإسلامية التي يجب على المرأة المسلمة أن تتزين بها، وأن تتخلق بها أنها تضرب بأرجلها ليَسمع الرجالُ صوت الأجراس التي كانت تُوضَع على الخَلخَال فيكون له رَنَّة فهذه الرنَّة تُلفت نظر الرجال إليها هكذا كان يفعل بعض النساء ولا سِيما في أول الإسلام حينما كانوا حديثي عهد به فأدّبهنَّ الله تبارك وتعالى في هذه الآية فقال : ((وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ))
إذًن هذه آخر زينة معروفة في زمن الإسلام الأول، فإذا ما علمنا من الآية السابقة أنَّ الله عز وجل أباحَ للنساء أن يُظهرنَّ مواطن الزينة وقد عرفنا هذه المواطن ينكشف لنا بوضوح ماهي المواضع التي يجوز للمرأة أن تظهر بها أمام أبيها، و أخيها ، وابن أخيها، ثم بالنهاية أمام نساء المسلمات. إذًن عندنا اليد وإلى قريبًا من العَضُد حيث كان الدُملج، ثم عندنا الرأس حيث عليه شيء من الزينة في الأذنين و العنق كما ذكرنا، ثم القدم وشيء من الساق الذي عليه الخلخال هذا، هذه هي المواطن التي أباح الله عز وجل للمرأة أن تكشفها أمام محارمها وأيضًا أمام أختها المسلمة.
و الآن كيف يعيش المسلمين في بيوتهم، يعيشون بتعرٍّ أشبه ما يكون بتعري النساء اللاتي لا يعرفن دين الله تبارك و تعالى؛ لا أدري ما مبلغ هذا التعري في البيوت لأني حديث عهدٍ بهذه البلاد، لكن عندنا في سوريّة وفي مصر حدّث ولا حَرج عن توسع الناس في بيوتهم بالتكشف، تَكشِف المرأة عن شيء كثير من بدنها فوق ما أباح الله لها من إظهاره ألا وهو مواطن الزينة فقط مثلا قد ابتلينا باللباس القصير الذي ليس له أكمام، اللباس الداخلي والذي يسمى في لغة العرب
القديمة بالتُبان ويعرف اليوم بالشُورت (بنطلون الشورت القصير) الذي يظهر دونه الأفخاد، فالنساء اليوم تلبس الأم والبنت مثل هذا اللباس القصير فتجلس البنت أمام أمها، بل وأمام أخيها الشاب الممتلئ فتوةً و شهوة فترفع رجلها وتضعها على فخذها فيظهر فخذها مكشوفًا عاريًا بحجة ماذا ؟! بحجة مافي أحد غريب هذا أخوها !! هذا خلاف الآية السابقة لأنّ الله كما ذكرنا إنما أباح الكشف عن مواضع الزينة فالفخذان لم يكونا يومًا ما مواطن للزينة وعسى أن لا يكون ذلك أبدًا كذلك تخرج المرأة أمام أخيها فضلا عن أنها تخرج كذلك أمام أبيها وهي عارية الزندين، هذا خلاف النص السابق لا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ فهنا العضد ليس زينة، والابط ليس زينة فكل هذا باق على التحريم في حدود تصريح قوله صلى الله عليه و آله و سلّم: ((المرأة عورة)).
وأكثر من ذلك يقع .. تدخل المرأة الأم الحمام (حمام المنزل) فتأمر ابنتها بأن تُدِّلك لها ظهرها فتكشف عن ظهرها وعن ثدييها، والقسم الأعلى كما قلنا من البدن، و لا حرج إطلاقًا، من أين جاء هذا ؟! مع أنّ الآية صريحة بأنه إنما أجازَ ربنا عز وجل للمرأة أن تكشف فقط عن مواضع الزينة، و الصدر ليس موضعًا للزينة، و الظهر ليس موضعًا للزينة، لذلك كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يعيشون في بيوتهم في حدود السِترة التي رخص الله عز وجل لهنّ بها، فلم يكن هناك هذا التعري الذي فشا اليوم في البلاد الإسلامية.
فأنا أريد أن أذكّر بهذا المفهوم الصريح في القرآن وأن نتأدب بأدب القرآن وأن نؤدب بذلك نساءنا و بناتنا، و لا نتأثر بالأجواء المحيطة حولنا لأنّ هذه الأجواء إنما تحكي تقاليد أوروبّية كافرة في الغالب، وإذًا علينا أن نقف عند هذه الآية :
((وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...))
ثم قال تعالى:
((أو نسائهنَّ))
و النساء هنا هنّ نساء المسلمات ولذلك هنا أدب آخر يجب أن نتنبَّه له وهذا يقع في هذه البلاد التي امتنّ الله تبارك وتعالى عليها بالمال الوفير فقد رأيتُ هذه البلوى حيث لا نراها في البلاد الفقيرة الأخرى، و هي استكثار المسلمين من استخدام النساء الكافرات فضلا عن الرجال خدمًا لهم في بيوتهم، فتدخل المرأة الخادم الكافرة إلى غرفة المرأة المسلمة و هي كما تقف أمام زوجها، هذا لا يجوز،
يجب على المرأة المسلمة أن تتحجب أمام المرأة الكافرة كما لو كانت هذه المرأة رجلا مسلمًا فضلًا عن كافر.
فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف عن شيء من زينتها الباطنة للمرأة الكافرة ، لأن الله عز وجل إنما أباح لها أن تكشف عن مواضع الزينة للمرأة المسلمة، ولذلك فلم يكن عبثًا قول الله تبارك وتعالى حين أضاف النساء اللاتي يجوز للمرأة أن تظهر أمامها إلى المسلمات فقال:
((أو نسائهنَّ))، ولم يقل أو النساء
، فيشمل حين ذاك النساء كلهنّ سواءً كنّ مسلمات أو كافرات، لم يقل شيئًا من ذلك، وإنما قال: أو نسائهنّ. فلا يجوز إذًا للمرأة المسلمة أن تتسامح مع الخادم الكافرة فتظهر أمامها كما تظهر أمام المرأة المسلمة، وفي هذه الحدود التي ذكرناها من كتاب الله تبارك وتعالى هذا ما أردتُ أن أذكر به و الذكرى تنفع المؤمنين.
و اخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين