إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
شاعر المقاومة الفلسطينية: محمود درويش (جميع قصائده )متجدد.
تقليص
X
-
الجسر
محمود درويش - فلسطين
الجسر
مشيًا على الأقدام
أو زحفًا على الأيدي، نعودُ
قالوا ..
وكان الصخر يضمر
والمساء يدًا تقودُ ..
لم يعرفوا أن الطريق إلى الطريق
دم، ومصيدة، وبِيدُ
كل القوافل قبلهم غاصت،
وكان النهر يبصق ضفّتيه
قطعاً من اللحم المفتت
في وجوه العائدين
كانوا ثلاثة عائدين
شيخ، وابنته، وجندي قديم
يقفون عند الجسر ..
كان الجسر نعسانًا، وكان الليل قبعة، وبعد دقائق يصلون
هل في البيت ماء ؟ وتحسَّس المِفتاح ثم تلا من القرآن آية
قال الشيخ منتعشًا: وكم من منزل في الأرض يألفه الفتى
قالت: ولكنّ المنازل يا أبي أطلالفأجاب: تبنيها يدان ..
ولم يُتمَّ حديثه، إذ صاح صوت في الطريق: تعالَوْا
وتلته طقطقة البنادق ..
لن يمر العائدون
حرس الحدود مرابط،
يحمي الحدود من الحنين
أمر بإطلاق الرصاص على الذي يجتاز هذا )
الجسر، هذا الجسر مقصلة الذي رفض التسول
تحت ظل وكالة الغوث الجديدة. والموت بالمجان
تحت الذل والأمطار، من يرفضه يُقتل عند
هذا الجسر، من الجسر مقصلة الذي ما زال يحلم
بالوطن )
الطلقة الأولى أزاحت عن جبين الليل
قبعة الظلام
والطلقة الأخرى ..
أصابت قلب جندي قديم ..
والشيخ يأخذ كفَّ ابنته ويتلو
همسًا من القرآن سورة
وبلهجة كالحلم قال، وعينه عند النجوم
ـ عينا حبيبتي الصغيرة،
ليَ يا جنود، ووجهها القمحي لي
والفستقُ الحلبي في فمها
وطلعتها الأميرة، والضفيرة
ليَ يا جنود
ليَ كلها، هذي حبيبتي الأخيرة
قَدِمُوا إليه .. مقهقهين
ـ لا تقتلوها.. اقتلوني
اقتلوا غدها، وخلوها بدوني
وخذوا فداها،
كلَّ الحديقة، والنقود،
وكل أكياس الطحين
وإذا أردتم، فاقتلوني
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
-
تابع...
الجسر..
كانت مياه النهر أغزر .. فالذين رفضوا )
هناك الموت بالمجان أعطوا النهر لونًا آخر
والجسر، حين يصير تمثالاً، سيُصبغ - دون
(ريب - بالظهيرة والدماء وخضرة الموت المفاجئ
.. وبرغم أن القتل كالتدخين..
لكنَّ الجنود الطيبين،
الطالعين على فهارس دفترٍ ..
قذفته أمعاء السنين،
لم يقتلوا الإثنين ..
كان الشيخ يسقط في مياه النهر ..
والبنت التي صارت يتيمة
كانت ممزقة الثياب،
وطار عطر الياسمين
عن صدرها العاري الذي
ملأته رائحة الجريمة
والصمت خيَّم مرة أخرى،
وعاد النهر يَبصق ضفّتيه
قطعاً من اللحم المفتت
.. في وجوه العائدين
لم يعرفوا أن الطريق إلى الطريق
دم، ومصيدة، ولم يعرف أحد
شيئاً عن النهر الذي
يمتص لحم النازحين
الجسر مِقصلة لمن عادوا لمنزلهم، وأن الصمت مِقصلة )
الضمير. هل يسمع الكتاب،
تحت القبعات، حرير نهر من دم، أم يرقصون
الآن في نادي العراة كأن شيئًا لم يكن،
(ومغنيات الحب - كالجنرال - يشغلهن نخب الانتصار -؟
لكنَّ صوتًا، فرَّ من ليل الجريمة
طاف في كل الزوابع
ورَوَتْه أجنحة الرياح
:لكل نافذة، ومذياع، وشارع
عينا حبيبتي الصغيرة "
ليَ، يا جنود، ووجهها القمحي لي
الفستقُ الحلبيُّ في فمها
وطلعتها الأميرة، والضفيرة
"لا تقتلوها .. واقتلوني
وأُضيف في ذيل الخبر :
كل الذين
كتبوا عن الدم والجريمة
:في هوامش دفتر التاريخ، قالوا
ومن الحماقة أن يظن المعتدون،
المرتدون ثياب شاه،
أنهم قتلوا الحنين
أما الفتاة، فسوف تكسو صدرها العاري
وتعرف كيف تزرع ياسمين
أما أبوها الشَّهْم، فالزيتون لن يصفرَّ من دمه،
*ولن يبقى حزين
ومن الجدير بأن يسجل:
*أن للمرحوم تاريخًا، وأنَّ له بنين
الجسر يكبر كل يوم كالطريق، وهجرة )
الدم في مياه النهر تنحت من حصى الوادي
تماثيلاً لها لون النجوم، ولسعة الذكرى،
(وطعم الحب حين يكون أكثر من عبادة
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
-
عن الصمود
لو يذكر الزيتون غارسهُ
لصار الزيت دمعا!
يا حكمة الأجدادِ
لو من لحمنا نعطيك درعا!
لكن سهل الريح،
لا يعطي عبيد الريح زرعا!
إنا سنقلع بالرموشِ
الشوك والأحزان.. قلعا!
وإلام نحمل عارنا وصليبنا!
والكون يسعى..
سنظل في الزيتون خضرته،
وحول الأرض درعا!!
ـ2ـ
إنا نحب الورد،
لكنا نحب القمح أكثرْ
ونحب عطر الورد،
لكن السنابل منه أطهرْ
بالصدر المسمر
هاتوا السياج من الصدور..
من الصدور ؛ فكيف يكسرْ؟؟
اقبض على عنق السنابلِ
مثلما عانقت خنجرْ!
الأرض ، والفلاح ، والإصرار،
قال لي كيف تقهر..
هذي الأقاليم الثلاثة،
كيف تقهر؟
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
-
الآن ... في المنفي
محمود درويش - فلسطين
الآن... في المنفي.. نَعَمْ في البيتِ،
في السٌِتينَ من عمْر سريع
يوقدون الشَّمْعَ لَكْ
فافرَحْ، بأقصي ما استطعتَ من الهدوء،
لأنَّ موتا طائشا ضَلَّ الطريقَ إليك
من فرط الزحام... وأَجَّلكْ
قَمَر فضوليّ علي الأطلال،
يضحك كالغبيٌ
فلا تصدٌِقْ أنه يدنو لكي يستقبلَكْ
هوَ، في وظيفته القديمةِ، مثل آذارَ
الجديدِ... أَعادَ للأشجار أَسماءَ الحنينِ
وأَهمَلكْ.
فلتحتفلْ مع أَصدقائكَ بانكسار الكأس.
في الستين لن تَجِدَ الغَدَ الباقي
لتحملَه علي كَتِفِ النشيد... ويحملَكْ
قلْ للحياةِ، كما يليق بشاعر متمرٌِسِ:
سِيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ
وكيدهنَّ. لكلٌِ واحدةِ نداء ما خفيّ
هَيْتَ لَكْ/ ما أَجملَكْ!
سيري ببطء، يا حياة، لكي أَراك
بِكامل النقْصَان حولي. كم نسيتكِ في
خضمٌِكِ باحثا عنٌِي وعنكِ. وكلَّما أدركت
سرٌا منك قلت بقسوة: ما أَجهلَكْ!
قل للغياب: نَقَصْتَني
وأَنا حضرت... لأكملكْ !
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
-
بـطـاقـة هـويـة
محمود درويش - فلسطين
سجِّل
أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!
فهلْ تغضبْ؟
سجِّلْ
أنا عربي
وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ
وأطفالي ثمانيةٌ
أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،
والأثوابَ والدفترْ
من الصخرِ
ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ
ولا أصغرْ
أمامَ بلاطِ أعتابكْ
فهل تغضب؟
سجل
أنا عربي
أنا إسمٌ بلا لقبِ
صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
يعيشُ بفورةِ الغضبِ
جذوري
قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
وقبلَ السّروِ والزيتونِ
.. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
أبي.. من أسرةِ المحراثِ
لا من سادةٍ نجبِ
وجدّي كانَ فلاحاً
بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!
يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ
وبيتي كوخُ ناطورٍ
منَ الأعوادِ والقصبِ
فهل ترضيكَ منزلتي؟
أنا إسمٌ بلا لقبِ
سجلْ
أنا عربي
ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ
ولونُ العينِ.. بنيٌّ
وميزاتي:
على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
وكفّي صلبةٌ كالصخرِ
تخمشُ من يلامسَها
وعنواني:
أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ
شوارعُها بلا أسماء
وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ
فهل تغضبْ؟
سجِّل!
أنا عربي
سلبتَ كرومَ أجدادي
وأرضاً كنتُ أفلحُها
أنا وجميعُ أولادي
ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي
سوى هذي الصخورِ
فهل ستأخذُها
حكومتكمْ.. كما قيلا؟
إذنْ
سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي.. إذا ما جعتُ
آكلُ لحمَ مغتصبي
حذارِ.. حذارِ.. من جوعي
ومن غضبي!!
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
-
فرحا بشيء ما
محمود درويش - فلسطين
فرحا بشيء ما خفيٍّ، كنْت أَحتضن
الصباح بقوَّة الإنشاد، أَمشي واثقا
بخطايَ، أَمشي واثقا برؤايَ، وَحْي ما
يناديني: تعال! كأنَّه إيماءة سحريَّة ٌ،
وكأنه حلْم ترجَّل كي يدربني علي أَسراره،
فأكون سيِّدَ نجمتي في الليل... معتمدا
علي لغتي. أَنا حلْمي أنا. أنا أمّ أمِّي
في الرؤي، وأَبو أَبي، وابني أَنا.
فرحا بشيء ما خفيٍّ، كان يحملني
علي آلاته الوتريِّة الإنشاد . يَصْقلني
ويصقلني كماس أَميرة شرقية
ما لم يغَنَّ الآن
في هذا الصباح
فلن يغَنٌي
أَعطنا، يا حبّ، فَيْضَكَ كلَّه لنخوض
حرب العاطفيين الشريفةَ، فالمناخ ملائم،
والشمس تشحذ في الصباح سلاحنا،
يا حبُّ! لا هدفٌ لنا إلا الهزيمةَ في
حروبك.. فانتصرْ أَنت انتصرْ، واسمعْ
مديحك من ضحاياكَ: انتصر! سَلِمَتْ
يداك! وَعدْ إلينا خاسرين... وسالما!
فرحا بشيء ما خفيٍّ، كنت أَمشي
حالما بقصيدة زرقاء من سطرين، من
سطرين... عن فرح خفيف الوزن،
مرئيٍّ وسرِّيٍّ معا
مَنْ لا يحبّ الآن،
في هذا الصباح،
فلن يحبَّ
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
-
أنا يوسف يا أبي
محمود درويش - فلسطين
أَنا يوسفٌ يا أَبي.
يا أَبي، إخوتي لا يحبُّونني،
لا يريدونني بينهم يا أَبي.
يَعتدُون عليَّ ويرمُونني بالحصى والكلامِ
يرِيدونني أَن أَموت لكي يمدحُوني
وهم أَوصدُوا باب بيتك دوني
وهم طردوني من الحقلِ
هم سمَّمُوا عنبي يا أَبي
وهم حطَّمُوا لُعبي يا أَبي
حين مرَّ النَّسيمُ ولاعب شعرِي
غاروا وثارُوا عليَّ وثاروا عليك،
فماذا صنعتُ لهم يا أَبي؟
الفراشات حطَّتْ على كتفيَّ،
ومالت عليَّ السَّنابلُ،
والطَّيْرُ حطَّتْ على راحتيَّ
فماذا فعَلْتُ أَنا يا أَبي،
ولماذا أَنا?
أَنتَ سمَّيتني يُوسُفًا،
وهُمُو أَوقعُونيَ في الجُبِّ، واتَّهموا الذِّئب;
والذِّئبُ أَرحمُ من إخوتي..
أبتي! هل جنَيْتُ على أَحد عندما قُلْتُ إنِّي:
رأَيتُ أَحدَ عشرَ كوكبًا، والشَّمس والقمرَ، رأيتُهُم لي ساجدين؟
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
-
ضباب كثيف علي الجسر
محمود درويش - فلسطينقال لي صاحبي، والضباب كثيف
علي الجسر:
هل يعْرَف الشيء من ضدِّهِ؟
قلت: في الفجر يتَّضح الأمر
قال: وليس هنالك وقت أَشدُّ
التباسا من الفجر،
فاترك خيالك للنهر/
في زرقة الفجر يعْدَم في
باحة السجن، أو قرب حرش الصنوبر
شابٌ تفاءل بالنصر/
في زرقة الفجر ترسم رائحة الخبز
خارطة للحياة ربيعيَّة الصيف/
في زرقة الفجر يستيقظ الحالمون
خفافا ويمشون في ماء أَحلامهم
مرحين
إلي أَين يأخذنا الفجر، والفجر
جِسْر، إلي أَين يأخذنا؟
قال لي صاحبي: لا أريد مكانا
لأدفَنَ فيه. أريد مكانا لأَحيا،
وأَلعنَه إن أردت.
فقلت له والمكان يمرّ كإيماءة
بيننا: ما المكان؟
فقال: عثور الحواس على موطيء
للبديهة،
ثم تنهد:
يا شارعا ضيقا كان يحملني
في المساء الفسيح إلي بيتها
في ضواحي السكينةْ
أَما زلت تحفظ قلبيَ
عن ظهر قلب،
وتنسي دخان المدينةِ؟
قلت له: لا تراهن علي الواقعيِّ
فلن تجد الشيء حيا كصورته في
انتظارك....
إنَّ الزمان يدجِّنُ حتي الجبال
فتصبح أَعلي، وتصبح أوطأ مما عرفت.
إلي أَين يأخذنا الجسر؟
قال: وهل كان هذا الطريق
طويلا إلي الجسرِ؟
قلت: وهل كان هذا الضباب
كثيفا علي دَرَج الفجرِ؟
كم سنة كنْتَ تشبهني؟
قال: كم سَنَة كنْتَ أَنتَ أَنا؟
قلت: لا أَتذكَّر
قال: ولا أتذكر أني تذكرت
غير الطريق
وغنَّي:
علي الجسر، في بلد آخر
يعلن الساكسفون انتهاءَ الشتاء
علي الجسر يعترف الغرباء
بأخطائهم، عندما لا يشاركهم
أَحَد في الغناء
وقلت له: منذ كم سنة نَسْتَحِثّ
الحمامة: طيري إلي سدرة المنتهي،
تحت شباكنا، يا حمامة طيريَ طيري
فقال: كأني نسيت شعوري
وقال: وعما قليل نقلِّدُ أَصواتنا
حين كنا صغيرين. نلثغ بالسين واللام.
نغفو كزوجي يمام علي كرمة ترتدي
البيت. عما قليل تطلُّ علينا الحياة
بديهيَّة. فالجبال علي حالها، خلف
صورتها في مخيلتي. والسماء القديمة
صافية اللون والذهن، إن لم
يختِّي الخيال، تظلّ علي حالها
مثل صورتها في مخيٌلتي، والهواء
الشهيّ النقيُّ البهيُّ يظل علي
حاله في انتظاري.. يظلّ علي حاله.
قلت: يا صاحبي، أَفرَغتني الطريق
الطويلة من جسدي. لا أحس بصلصاله.
لا أحسّ بأحواله. كلما سرت طرت.
خطايَ رؤاي. وأَما 'أنا' ي، فقد
لَوَّحَتْ من بعيد:ٍ
'إذا كان دربكَ هذا
طويلا
فلي عملٌ في الأساطير'
أَيدي إلهيَّة دَرَّبتنا علي حفر أسمائنا
في فهارس صفصافة. لم نكنِ واضحين
ولا غامضين. ولكنَّ أسلوبنا في
عبور الشوارع من زمنِ نحو آخرَ
كان يثير التساؤل: مَنْ هؤلاءِ
الذين إذا شاهدوا نخلة وقفوا
صامتين، وخرّوا علي ظلِّها ساجدين؟
ومن هؤلاء الذين إذا ضحكوا أزعجوا
الآخرين؟
علي الجسر، في بلد آخر، قال لي
يعْرَف الغرباء من النَّظَر المتقطّع في الماء،
أو يعْرَفون من الانطواء وتأتأة المشي.
فابن البلاد يسير إلي هدف واضحِ
مستقيمَ الخطي. والغريب يدور علي
نفسه حائرا
قال لي: كلّ جسري لقاء... علي
الجسر أدخل في خارجي، وأسلم
قلبي إلي نَحْلَة أو سنونوَّة
قلت: ليس تماما. علي الجسر أمشي
إلي داخلي، وأروِّضُ نفسي علي
الانتباه إلي أمرها. كلّ جسري فصام،
فلا أنت أنت كما كنت قبل قليل،
ولا الكائنات هي الذكريات
أنا اثنان في واحد
أم أنا
واحد يتشظي إلي اثنين
يا جسْر يا جسر
أيُّ الشَّتِيتَيْنِ منا أَنا؟
مشينا علي الجسر عشرين عاما
مشينا علي الجسر عشرين مترا
ذهابا إيابا،
وقلت: ولم يبقَ إلا القليل
وقال: ولم يبقَ إلا القليل
وقلنا معا، وعلي حدة، حالمين:
سأمشي خفيفا، خطَايَ علي الريحِ
قوس تدغدغ أرضَ الكمان
سأسمع نبض دمي في الحصي
وعروق المكان
سأسند رأسي إلي جذع خَرّوبة،
هي أمِّي ، ولو أنْكَرَتْني
سأغفو قليلا، ويحملني طائران صغيران
أعلي وأعلي... إلي نجمة شرَّدتني
سأوقظ روحي علي وَجَع سابق
قادم، كالرسالة، من شرفة الذاكرةْ
سأهتف: مازلت حيًّا، لأنيَ
أَشعر بالسهم يخترق الخاصرةْ
سأنظر نحو اليمين، إلي جهة الياسمين
هناك تعلَّمْت أول أغاني الجسدْ
سأنظر نحو اليسار، إلي جهة البحر
حيث تعلَّمت صَيْدَ الزَّبَدْ
سأكذب مثل المراهق: هذا الحليب
علي بنطلوني ثمَاَلة حلْمِ تحرَّش بي... وانتهي
سأنكر أني أقلِّد قيلولة الشاعر
الجاهليِّ الطويلةَ بين عيون المها
سأشرب من حَنَفيَّة ماء الحديقة حفنةَ
ماء. وأَعطش كالماء شوقا إلي نفسِهِ
سأسأل أوَّل عابر درب: أَشاهدتَ
شخصا علي هيئة الطيف، مثلي، يفتِّش
عن أَمسِه؟
سأحمل بيتي علي كتفيَّ... وأَمشي
كما تفعل السلحفاة البطيئةْ
سأصطاد نسرا بمكنسة، ثم أسأل:
أَين الخطيئة؟
سأبحث في الميثولوجيا وفي الأركيولوجيا
وفي كل جيم عن اسمي القديم
ستنحاز إحدي إِلهات كَنْعَانَ لي، ثمَّ
تحلف بالبرق: هذا هو ابني اليتيم
سأثني علي امرأة أنجبتْ طفلة ً
في الأنابيب. لكنها لا تمتّ إليها بأيِّ شَبَهْ
سأبكي علي رجل مات حين انتَبهْ
سآخذ سطر المعرِّيَ ثم أعدِّلهُ:
جَسَدي خرقَة من تراب، فيا خائطَ
الكون خِطْني!
سأكتب: يا خالقَ الموت، دعني
قليلا... وشأني!
سأوقظ موتايَ: نحن سواسية أيها
النائمون، أما زلتموا مثلنا تحلمون
بيوم القيامةْ؟
سأجمع ما بعثرته الرياح من الغَزَل
القرْطبيِّ ، وأكمل طَوْقَ الحمامةْ
سأختار من ذكرياتي الحميماتِ
وَصْفَ الملائم: رائحة الشرشف المتجعِّد
بعد الجِماع كرائحة العشب بعد المطرْ
سأشهد كيف سيخضرّ وجه الحجرْ
سيلسعني وَرْد آذارَ، حيث ولدت
لأوٌل مَرٌةْ
ستحمل بي زهرة الجلَّنار، وأولَد منها
لآخر مَرَّةْ!
سأَنأي عن الأمس، حين أعيد
له إرثه: الذاكرةْ
سأدنو من الغد حين أطارد قبَّرة ًماكرةْ
سأعلم أَني تأخَّرْت عن موعدي
وسأعرف أنَّ غدي
مَرَّ، مَرَّ السحابةِ، منذ قليل،
ولم ينتظرني
سأعلم أن السماء ستمطر بعد قليل
عليَّ
وأنٌي
أَسير علي الجسر
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
-
تابع..
ضباب كثيف على الجسر
هل نطأ الآن أرض الحكاية؟ قد
لا تكون كما نتخيَّل 'لا هي سَمْن
ولا عَسَل' والسماء رمادَّية اللون.
والفجر ما زال أزرقَ ملتبسا.ما
هو الزمن الآن؟ جسر يطول
ويقصر.. فجر يطول ويمكر. ما
الزمن الآن؟
تغفو البلاد القديمة خلف قلاع
سياحيّةٍ. والزمان يهاجر في نجمة
أَحرقت فارسا عاطفيا. فيا أيها
النائمون علي إبر الذكريات! أَلا
تشعرون بصوت الزلازل في حافر الظبي؟
قلت له: هل أَصابتك حمَّي؟
فتابع كابوسه: أَيها النائمون! ألا
تسمعون هسيس القيامة في حبة الرمل؟
قلت له: هل تكلمني؟ أم تكلِّم نفسك؟
قال: وصلت إلي آخر الحلم...
شاهدت نفسي عجوزا هناك،
وشاهدت قلبي يطارد كلبي هناك
وينبح... شاهدت غرفةَ نومي
تقَهْقِه: هل أَنتَ حيٌ؟ تعال
لأحمل عنك الهواء وعكازك الخشبيَّ
المرصَّع بالصدف المغربيِّ!! فكيف
أعيد البداية، يا صاحبي، من أَنا؟
من أنا دون حلْم ورفقة أنثي؟
فقلت: نزور فتات الحياة، الحياة
كما هي، ولنتدرَّبْ علي حبِّ أشياء
كانت لنا، وعلي حبِّ أشياء ليست
لنا... ولنا إن نظرنا إليها معا من علي
كسقوط الثلوج علي جَبَلي
قد تكون الجبال علي حالها
والحقول علي حالها
والحياة بديهية ومشاعا،
فهل ندخل الآن أرض الحكاية يا صاحبي؟
قال لي: لا أريد مكانا لأدفن فيه
أريد مكانا لأحيا، وألعنه لو أردت...
وحملق في الجسر: هذا هو الباب.
باب الحقيقة لا نستطيع الدخول ولا
نستطيع الخروج
ولا يعْرَف الشيء من شدِّهِ
أَلممرات مغْلَقَة
والسماء رماديَّة الوجه ضدَّه
ويد الفجر ترفع سروال جنديٌةِ
عاليا عاليا...
اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...
تعليق
تعليق