حدث فريد في القضاء المصري.. المحكمة تجمع محاكمة مبارك وجماعة الاخوان
في حدثٍ هو الأول من نوعه في تاريخ القضاء بمصر، وفي رسالة لرئيس مصر القادم أن يعي جيدا أن الشعب الذي قام بثورة 25 يناير واستكملها في 30 يونيو لن يتنازل عن حقه في "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية".
ينتظر المصريون اليوم، بدء محاكمة قادة جماعة الإخوان المسلمين، بتهم التحريض على قتل متظاهرين، في يوم قضائي يشهد استكمال محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك بتهمة التواطؤ في قتل متظاهرين أيضا، فلا صوت يعلو فوق صوت منصة يعلوها ميزان العدالة، وكلمات الحق "وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ".
ترقب في المنازل والمقاهي. محمد حسني السيد مبارك ونجليه "جمال وعلاء" بصحبة أداته القمعية حبيب العادلي ومساعديه، والمرشد محمد بديع عبد المجيد، ونائبيه.. مهندس التحريض خيرت الشاطر، ورشاد البيومي. محاكمة لرئيس أسبق هو الرابع في تاريخ مصر ووزير داخليته، وأخرى لمرشد سابق هو الثامن في تاريخ تنظيمه الإخواني ونائبيه.
محاكمة لمن تنخلى مرغما بفعل الجماهير الغاضبة في 25 يناير 2011، ومن سحقته الملايين في المد الثاني للثورة في 30 يونيو 2013، القصة واحدة وملخصها حاكم تجنى على شعبه فكانت نهايته.
"القتل والتحريض على قتل المتظاهرين"، تهمة واحدة لنظام "مبارك" ونظام الإخوان المسلمين، فالأول بدأت محاكمته في 3 أغسطس 2011، واستمر المارثون الطويل على مدار 9 أشهر، و49 جلسة محاكمة، انتهت بالحكم عليه بالمؤبد، ليبدأ بعده مارثون آخر ما زال مستمرا إلى الآن، لجلسات إعادة المحاكمة، أما الثاني فستكون أول جلساته غدا، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
الناشط الحقوقي محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، يرى أن المشهد مختلف بين محاكمتي الرئيس الأسبق حسني مبارك وأعوانه وبين قيادات جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن التهمة واحدة، مشيرا إلى أن الاختلاف يكمن في أن مارثون قضية مبارك، شهد طوال الفترة الماضية كم هائل من المعلومات الناقصة وأحراز القضية التالفة بفعل فاعل، ما أدى إلى انعدام الدليل الذي يثبت إدانة مبارك بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين، وهو الأمر الذي دفع قاضي محاكمة مبارك الأولى المستشار أحمد رفعت للحكم عليه بتهمة الامتناع عن حماية المتظاهرين بصفته رئيس للدولة، وليس بقتل المتظاهرين، فنظام مبارك حمى نفسه بتدمير أدلة الإدانة، كما أن التأخر في تقديم مبارك للمحاكمة ساهم في طمس معالم الجريمة، وهو ما أكده قاضي التحقيق المستشار مصطفى خاطر، بإشارته إلى عدم تعاون أجهزة الدولة مع النيابة في عملية جمع المعلومات التي تدين الرئيس الأسبق ووزير داخليته، بينما يرى العكس في قضية قتل المتظاهرين، المتهم فيها قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بقوله "الأدلة متوفرة وعمليات التحريض على القتل والعنف كانت موثقة بالصوت والصورة، كما أن هناك تحريات وأدلة كثيرة وشهود على تلك الوقائع، وتسجيلات تليفونية، واعترافات من متهمين ألقي القبض عليهم واتهموا قيادات مكتب الإرشاد بتحريضهم على القتل، وأجهزة الأمن لن تتورع في تقديم الأدلة للمحكمة".
يرى زارع أيضا، أن هناك اختلافات أخرى بين القضيتين، وقال في حديثه لـ"الوطن" المصرية، إن الجلسة الأولى في محاكمة قيادات الإخوان المسلمين ستكون جلسة إجرائية، وسيتحدد من خلالها التهم الموجهة إليهم بعد الإحالة للمحكمة، أما قضية "مبارك" فهي جلسة من ضمن جلسات طويلة في مارثون المحاكمة المستمر منذ أكثر من عامين، مضيفا أن ما حدث من نظام الإخوان خلال عام في سُدة الحكم من إقصاء وتحريض على العنف والاقتتال الأهلي وتمكين لأعضائها من مفاصل الدولة وغيرها من السياسات الخاطئة، جعل هناك تعاطف شعبي مع مبارك، أما "الإخوان" فلن يجدوا من يتعاطف معهم سوى أعضاء الجماعة ومناصريهم من التيار الإسلامي.
توقع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، ألا تحدث نفس الإشكالية التي حدثت في قضية "مبارك" مع "الإخوان"، سواء من طول فترة المحاكمة أو نقص الأدلة، بقوله "رغم حق دفاع المتهمين وكذلك النيابة في أخذ الوقت الكافي في القضية من أجل محاكمة عادلة، إلا أن قضية تورط الإخوان في قتل المتظاهرين لن تأخذ وقتا طويلا مثلما حدث في قضية مبارك، خاصة لوفرة أدلة الإدانة، كما سيتم التعامل معها بحسم، أما قضية مبارك فقد أخذت كل هذا الوقت لأنه كان هناك رغبة في إطالتها للظروف التي مرت بها البلاد في تلك الفترة، وكثرة المدعين بالحق المدني في القضية، كما أن حجم التناول الإعلامي في تلك القضية كان أكثر من أي قضية أخرى".
"العوامل المشتركة في تلك القضيتين، أنها محاكمة لنظامين على ارتكاب أعمال إجرامية في حق الشعب المصري، فهي ليست محاكمة أشخاص وأنهم محاكمة نظامين"، يشير زارع، إلى أن البعد السياسي سيدخل في كثير من الاعتبارات داخل القضية، ورغم أن العدالة تنظر للأمر باعتباره جنائي، فجماهير الشعب المصري تتابع المشهد باعتبارات أخرى".
وحول إمكانية استغلال دفاع المتهمين سواء "مبارك" أو "الإخوان" ما يمر من أحداث سياسية لتوريط أحدهما في تلك الجرائم، قال: "في اعتقادي أن فريد الديب سيستفيد من قضية هروب السجناء المتورط فيها قيادات الإخوان وعلى رأسهم رئيس الجمهورية السابق محمد مرسي ليبرئ (مبارك) من تورطه في إشاعة الفوضى وتهريب السجناء، أما الإخوان فجرائمهم لاحقة لنظام مبارك، فهم جاءوا ومبارك خارج المشهد السياسي، وكل ما يحاولون إشاعته بأن نظام متورط فيما حدث يحتاج إلى أدلة ومعلومات لتقديمها لجهات التحقيق".
"القضيتان متماثلتان في قتل المتظاهرين، لكن هناك اختلاف في أماكن قتل المتظاهرين وطريقة قتلهم"، هكذا جاء تحليل الدكتور شوقي السيد، أستاذ القانون الجنائي والخبير القانوني للمشهد، متابعا حديثه "كل قضية منهما لها أدلة ثبوتها وأدلة اتهامها، وكل متهم له حق الدفاع، ولذلك فكل ملف مستقل عن الآخر، وكل قضية مستقلة عن الأخرى من حيث المتهمين ومن حيث الواقعة وتاريخ الجريمة، وإن كانت القضيتان متماثلتان من حيث الصنف"، مؤكدا أنه كل ما كان الدليل ثابت، وكلما كانت التحقيقات كاملة يسهل الحكم في القضية.
"تصادف القضيتين في يوم واحد هي رسالة لمن يريد أن يتعظ"، هكذا يقول السيد، فمحاكمة نظامين مختلفين حكما مصر، تؤكد أن "من ينال من الشعب وإرادته ويعتدي على حريته يلقى مصير الظالمين".
تعليق