الشعوب العربية والفلسطينيون في الضفة الغربية يتضامنون «فيسبوكيا»
رام الله – «القدس العربي» : كثيرة هي أدوات الحروب، وهي ليست السلاح فقط، فالإعلام أحد أهم ركائز الحرب، واستخدامات الإعلام الالكتروني، والإعلام الجديد باتت أداة قياس حقيقية لنجاح هذا الطرف أو ذاك، كما هو الحال بالنسبة للتظاهرات وحملات التضامن، التي من شأنها أن تضغط على الحكومات وتوجيه الرأي العام باتجاه نصرة المظلوم أو مناصرة الظالم.
في الضفة الغربية ورغم كل ما جرى نصرة لغزة، لم تكن الهبة الشعبية موازية لحجم العدوان والمأساة والدم النازف في قطاع غزة، ما جعل أصواتا كثيرة تنادي بوقف التضامن عبر «الفيسبوك» فقط، والنزول إلى الشوارع للتعبير عن التضامن الحقيقي مع الشعب ذاته الذي يُسحق بالآلة الحربية الإسرائيلية وتحديدا المدنيين.
عبد الكريم سمارة، مسؤول وحدة الإعلام في جامعة القدس، قال لـ «القدس العربي» أن ثقافة الاستهلاك التي زرعتها الحكومات المتعاقبة، وفتح باب التسهيلات في القروض البنكية، جعلت معظم المواطنين تحت طائلة الدين للبنوك، وبالتالي الإبتعاد عن أي شكل من أشكال المقاومة، والإنهماك في التفكير في كيفية الحصول على المال لتسديد ماعليها، ومن الأسباب الأخرى، خطاب القيادة الفلسطينية الرافض لإنتفاضة ثالثة، إلى جانب ملاحقة حماس والجهاد من قبل إسرائيل في الضفة الغربية.
أما فيما يتعلق بالتضامن العربي، فإن الإنقسام الفلسطيني، وفر مادة للأنظمة العربية، وبعض المنظرين العرب، لنفض اليد من الفلسطينيين وقضيتهم، بل إن بعض الأحزاب تبنت هذه السياسة، أضف إلى ذلك أن العالم العربي غارق في القتال الداخلي، وانضواء العرب جميعاً تقريباً في إطار التحالف مع الغرب، ونجاح مأساوي للفرز الطائفي، ولا ننسى أيضا الانقسام الحاد عربياً بين عدة معسكرات، يقترب بعضها من الموقف الاسرائيلي، وبالتالي فإن المستعبد والمقهور لا يمكنه أن يساعد مقهورا آخر، فهو نفسه بحاجة إلى المساعدة والنصرة.
وفيما يتعلق بالإعلام العربي وأدائه السيء بالنسبة للفلسطينيين، يرى معتز بسيسو، الخبير في الإعلام، أنه حتى مع تطور الإعلام العربي وانتشار العديد من وسائله سواء الرسمية أو الخاصة، إلا أن الإعلام العربي في المجمل ما زال يتبع حكوماته، والتي هي بالتالي تتأثر ضمن تحالفات إقليمية ودولية، وقد إنقسم الإعلام العربي إلى قطبين، الأول هو وسائل الإعلام التي عملت على دعم المقاومة والشعب الفلسطيني في غزة ويتبنى معظمها نهج المقاومة والإتجاه الإسلامي (الإخوان المسلمين) وتمثله قنوات عديدة، وبعض المحطات الفضائية والوسائل الإعلامية التي تتبع هذا القطب وهي محدودة.
أما القطب الثاني فضم أكثر من نهج، الأول يعمل على محاربة الإتجاهات الإسلامية والمقاومة التي ترتبط بإيران وحزب الله والإخوان المسلمين والتي تتبنى المقاومة كنهج لها، والثاني تمثله تلك الدول التي تملك علاقات إستراتيجية مع إسرائيل وتربطها معها معاهدات وتفاهمات منها تلك المرتبطة بالدعم المالي والعسكري والإستراتيجي الذي تقدمه الولايات المتحده للأنظمة العربية ورؤسائها، وهو القطب السائد في الشرق الأوسط ضمن التغيرات الأقل يمينية الناتجة عن إفرازات ما سمي الربيع العربي، هنا لم يختلف الطرح الإعلامي للقطب الثاني كثيرا عن الخط الإسرائيلي في توجيه اللوم إلى المقاومة وخصوصا حماس بالتسبب بقتل الفلسطينيين في غزة وإستخدام المدنيين كدروع بشرية والإستمرار في ذلك من خلال رفض المبادرة المصرية الأولى.
ويقول بسيسو، أن تلك الدول إستخدمت خطابا تعبويا جماهيريا يهاجم المقاومة ضمن إستراتيجية تعمل على إفقاد المقاومة وخصوصا حماس مصداقيتها في الشارع العربي وتبرر إستمرار العدوان الإسرائيلي، وقد عمدت بعض الدول على توظيف الفتاوى لدعم هذا التوجه. إن خطاب تجريم المقاومة من خلال الإعلام العربي في تلك الدول يخلي مسؤوليتها ومسؤولية حكامها عن إتخاذ خطوات تدعم المقاومة، وتندد بالعدوان كما فعلت معظم دول أمريكا اللاتينية والتي قطع بعضها العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وإستدعى بعضها الآخر سفراءه كخطوة إحتجاجية، وهو ما لا تقوى الدول العربية على فعله، وخصوصا تلك المرتبطة بمعاهدات وتفاهمات مع إسرائيل وأمريكا.
الشارع الفلسطيني، شعر بالخجل الشديد في حقيقة الأمر بحسب العديد من الآراء التي رصدتها «القدس العربي» هذا الخجل نابع من صورة الشوارع الغربية في كافة القارات حيث تعج بعشرات آلاف المناصرين لغزة، والذين يقفون ضد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وقطاع غزة، بينما هم يرون الشعوب العربية لا تتحرك، وشوارع الضفة الغربية تتحرك على استحياء، إن لم تكن فارغة بكل معنى الكلمة.
هذه الصورة يستطيع المتابع لمسها، من خلال الكثير من الصور التي نشرت للتظاهرات في مختلف دول العالم، مع كتابة كلمة «شكراً» للدولة التي شهدت تلك التظاهرة، أو نشر ما تقـــوم به أمريكا اللاتينية، من حملة استدعاءات لسفرائها في إسرائيل، وإعلان الرئيس البوليفي وضع إسرائيل على قائمة الإرهاب الخاصة ببلاده، ما يعطي شعوراً بأن المتابع والمشارك في نشر هذه الصور يشعر بالقهر الشديد لما يفعله العالم لأجله، بينما هو لا يقوم بفعل شيء لنفسه أو لأهله في غزة. الأمر الآخر الذي أحرج الفلسطينيين والعرب على حد سواء، هو وفود التضامن الشعبية غير الرسمية التي دخلت قطاع غزة فعلاً بينما النيران الإسرائيلية كانت تدك كل شيء فيه، من دول عربية وآسيوية، وشخص كالطبيب النرويجي الذي فعل كل شيء ليدخل إلى القطاع، وليقدم المساعدة للأطباء الفلسطينيين والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة. الفلسطينيون استخدموا هذه الوفود الشعبية للسخرية والتندر من حال الوفود العربية الرسمية، التي لم تحرك ساكناً من بلدانها، بل حتى أن أنهم بالكاد سمعوا صوتا عــــربيا رسميا يبـــــكي أو يتلمس حال الفلسطينـــيين، أو يشعر بدمهم النازف، أو يريد دعمهم، حتى أن الفلسطينيين يستخدمون عبارة «زمان غسلنا أيدينا من العرب» في محاولة لوصف ما يشعرون به.