مدينة الرفاهية ورغد العيش … المدينة التي لاتنقطع فيها الكهرباء |
|
دمشق … كما وصفها الراحل جرجي زيدان في العام 1914 دمشق … أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ ، والمدينة التي ذكرت بالتوراة على أنها من أقدم مدن العالم ، عاصمة الدولة الأموية التي كانت تحكم نصف العالم ، واليوم دمشق هي عاصمة الجمهورية العربية السورية وضمادات جراحها اليومية . الحقيقة أنه مهما ذكرنا ووصفنا وعددنا في محاسن دمشق الشام لما استطعنا أن نعطي هذه المدينة حقها ، فقد عاشت هذه المدينة في قلب التاريخ ، ومر عليها ما مر من أحداث ومجريات ، من ازدهار وانحطاط ، حتى وصلت إلى ماوصلت إليه اليوم . ولعل العودة إلى حارات وأزقة هذه المدينة ، كما كتبها الراحل جرجي زيدان (مؤسس دار الهلال) في العام 1914 بمقال مطول وصف به دمشق وسكانها ، سيجعل البعض يبكي على أطلال مدينة كانت مزدهرة ، وعانت ماتعانيه اليوم ، بينما سيعيد الذاكرة للبعض الآخر ليجعل منه بناءاً متنوراً يعيد لهذه المدينة العريقة ألقها ونورها … يقول جرجي زيدان بمقال كتبه عن دمشق بعد زيارتها ، وقبل وفاته بأشهر معدودة : لا تستطيع أن تمر بعاصمة الأمويين مرور عابر السبيل ، تلك المدينة التي بلغت ذروة مجدها في عهد الأمويين ، وتوافد عليها الأدباء والشعراء وفيهم الفرزدق وجرير والأخطل والراعي وعمر بن أبي ربيعة وجميل بثينة ومجنون ليلى وقيس بن ذريح وليلى الأخيلية. ففي أيام الأمويين نقلت دوايين الدولة الإسلامية إلى العربية وضربت النقود بالعربية واعتزت الأمة العربية ، وأصبح العرب انطلاقاً من عاصمة الدولة الأموية دمشق يحكمون العالم حتى أنه إلى اليوم لم يرَ العرب في تاريخهم عزاً كعزهم زمن الدولة الأموية . أما عمارتها ومغارسها ، فقد مرت دمشق بأطوار شتى من حيث العمارة باختلاف أحوالها من العسر واليسر . ويقال أن أسواقها تعتبر الأجمل على قديم هندستها في طراز البناء الشرقي العربي. وهي عبارة عن أسواق كل منها خاص بصنف من أصناف المبيعات والصناعات كما فيها أسواق الفاكهة والحلويات المختلفة . ولقد زرتها في هذا العام ، فرأيت فيها كل جميل ولاسيما حي الصالحية فإنه يعتبر من أجمل أحياء دمشق لأنه يشرف على دمشق كلها . ومما دونته في ملاحظتي عن روعة دمشق خلال زيارتي لها : 1- السكة الحديدية فإنها زادت دمشق أهمية وجعلتها مركزاً تجارياً هاماً. 2- الأنوار الكهربائية فإن النور الكهربائي شائع عند صغار الباعة لرخصه والكهرباء لاتنقطع عنها أبداً . 3- الترامواي الكهربائي يخترق المدينة من الشمال إلى الجنوب . 4- جر مياه الفيجة من نبعها خارج دمشق بالأنابيب وتوزيعها في المنازل وقد فعل ذلك ناظم باشا واليها الأسبق. أما الحديث عن منازلها ، فتمتاز دمشق عن أكثر مدائن العالم بطرز بنائها وهندسة منازلها ، والعادة في منازل القاهرة وبيروت أن تكون حديقة المنزل محيطة به أو قائمة بين يديه . أما منازل الشام فحدائقها في قلبها . وقد أشرفنا ذات صباح على دمشق من مكان يقال له المصطبة في الصالحية فإذا هي مبسوطة بين أيدينا وحولها الغوطة تحدق بها من كل ناحية . كأن دمشق قصر كبير تحيط به حديقة كبيرة ، ومساحة هذا القصر (دمشق) بضعة أميال مربعة وحديقته (الغوطة) فتمتد بضعة أميال من كل ناحية . تخترقها الأنهر وتشتبك أشجارها المثمرة من المشمش والتفاح والكمثري واللوز والسفرجل والرمان وغيرها . أما سكانها ، فيقدر عدد سكان دمشق بنحو 300,000 نسمة خمسة أسداسهم من المسلمين العرب بينهم أخلاط من الأتراك والشركس وغيرهم . لكن أكثرهم توطنوا دمشق وتوالدوا فيها فصاروا يعدون عرباً ، وفيهم طائفة من المهاجرين الذين لم تتأصل عربيتهم بعد . منهم بضعة آلاف من الأكراد ونحو ذلك من المغاربة وغيرهم ، أما غير المسلمين فهم المسيحيون وعددهم نحو 25000 نسمة واليهود نحو 15000 نسمة وشرذمات من سائر الملل . والثروة أكثرها بيد المسلمين وهم أصحاب الأبنية والمزارع وأكثر مزارعهم في الغوطة . والدمشقيون أهل لطف وظرف ودماثة وضيافة ، يشعر الغريب فيها أنه بين أهله وأصدقائه . وهم يميلون إلى الرخاء ورغد العيش يساعدهم في ذلك رخص الأسعار وكثرة الطلبيات من الفاكه واللحوم والخضر وسعة البساتين وقناعة الطبع . فإذا مالت الشمس نحو الأصيل أقفل الباعة دكاكينهم وتسابقوا إلى الغيطان والبساتين بأهلهم وأولادهم يقضون ساعة أو ساعات بين الأشجار والأثمار يتحادثون ويطربون . جرجي زيدان – الهلال – 1914 |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
مدينة الرفاهية ورغد العيش … المدينة التي لاتنقطع فيها الكهرباء~دمشق
تقليص
X
-
مدينة الرفاهية ورغد العيش … المدينة التي لاتنقطع فيها الكهرباء~دمشق
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
تعليق